"حياة".. عرض مسرحي تونسي يكسر الجدار بين الخشبة والجمهور

احتضنت قاعة "المبدعين الشبان" بمدينة الثقافة في العاصمة التونسية عرضًا مسرحيًا مميزًا بعنوان "حياة"، من إخراج المخرج التونسي معز عاشوري، وتأليف الكاتب الدكتور سامي الجمعان، فيما قامت بتجسيد الدور الرئيسي فيه الفنانة نادرة التومي.
ويُعد هذا العمل تجربة مسرحية مختلفة وغير تقليدية، حيث يقوم على مفهوم التفاعل المباشر والحيوي مع الجمهور، ويتجاوز الأشكال المعتادة في العلاقة بين المتفرج والممثلين، ليقدم تصورًا جديدًا يتجاوز مجرد الفرجة، ويحوّل المشاهدين إلى أطراف فاعلة ومؤثرة في مجريات الأحداث.
فالعمل لا يكتفي بأن يجعل الجمهور جالسًا في مقاعد المتلقي، بل يُشركه في قلب الحكاية، ليصبح مشاركًا في صناعة العرض ولحظاته الدرامية.

وقد صرّح المخرج معز عاشوري أن اختياره لنص "حياة" جاء انطلاقًا من قناعة راسخة لديه بأهمية تحطيم الجدار التقليدي الذي يفصل بين الخشبة والجمهور، مشيرًا إلى أن النص الذي كتبه الدكتور سامي الجمعان يتبنى هذه الفكرة بشكل جوهري، إذ يجعل من التفاعل ركيزة أساسية في بنية العرض المسرحي.
وأوضح عاشوري أنه من الناحية الإخراجية، عمل على بناء فضاء مفتوح يتيح للمتفرج الإحساس بأنه لا يشاهد عرضًا جاهزًا مسبقًا، بل يعيش تجربة مسرحية يتفاعل معها ويشارك في تشكيل ملامحها لحظة بلحظة.
أما عن الشخصية المحورية في المسرحية، فهي شخصية "حياة" التي تلعبها نادرة التومي، وتؤدي فيها دورًا مركزيًا يتجاوز الأداء التقليدي، إذ تظهر على الخشبة بمثابة قائدة أوركسترا، تدير مجريات العرض، وتختار من بين الحضور من يشاركها التمثيل، وتوزع الأدوار، وتضبط الإيقاع وتصعيد الأحداث.
هذا التوجه يجعل من كل عرض تجربة مختلفة ومتجددة، إذ تتغير التفاصيل تبعًا لتفاعل الجمهور واختيارات “حياة”، مما يكسب العرض حيوية واستمرارية متجددة.
وأضاف المخرج أن شخصية "حياة" ليست مجرد شخصية درامية، بل تمثل رحلة نفسية واجتماعية، تنكشف ملامحها تدريجيًا أمام الجمهور. فهي تتنقل ما بين الواقع والعالم الرقمي، ومع تطور الأحداث تبدأ ملامح الاضطراب الداخلي في الظهور، وتتساقط الأقنعة واحدة تلو الأخرى، مما يعكس حالة الإنسان المعاصر الذي يعيش بين عالمين: الواقعي والافتراضي، ويواجه أزمة وجود وهوية في ظل هذه الازدواجية.
وعند الحديث عن السينوغرافيا المستخدمة في العرض، أكد عاشوري أنها لم تُستخدم كعنصر تكميلي للنص فقط، بل كانت جزءًا أساسيًا من اللغة البصرية والفنية للعمل، فقد تم توظيف العناصر السينوغرافية من إضاءة وصوت وحركة وكلمة بشكل متكامل، لخلق تجربة حسية وفكرية تحفّز المشاهد على التأمل والتساؤل، وتدمجه كليًا داخل اللعبة المسرحية.
جاء عرض "حياة" ليطرح مقاربة جديدة في المسرح المعاصر، تُعيد تعريف العلاقة بين الخشبة والجمهور، وتدعو المتفرج لأن يكون فاعلًا في التجربة وليس مجرد متلقٍ سلبي.