آخر أيام التشريق.. فرصة للدعاء المستجاب
اليوم الإثنين، الثالث عشر من شهر ذي الحجة، هو آخر أيام التشريق، وآخر فرصة لاغتنام ما تبقى من بركات عيد الأضحى المبارك، في وقتٍ يغفل فيه كثير من الناس عن هذه الأيام الجليلة، رغم أنها من الأوقات التي عظّمها الله في كتابه الكريم، وحثنا النبي ﷺ على اغتنامها، ونهانا عن التفريط فيها لما فيها من فضل عظيم.
ومع انتهاء أيام التشريق الثلاثة التي تلي يوم النحر، لم يتبقَّ لنا سوى ساعات معدودة من هذا الزمن المبارك، مما يجعل من الضروري استغلال كل لحظة فيه بالطاعات والدعاء والذكر.
ما هي أيام التشريق؟
تبدأ أيام التشريق الثلاثة من اليوم التالي ليوم النحر، أي في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة. وقد نهى النبي ﷺ عن الصيام فيها، لما ورد عن نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله» [رواه مسلم].
وفي هذه الأيام، يبدأ حجاج بيت الله الحرام في رمي الجمرات الثلاث: الصغرى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، كل منها بسبع حصيات، مع التكبير والدعاء عند كل رمية. وقد ورد أن هذه الأيام هي "الأيام المعدودات" التي قال الله تعالى عنها:«وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» [البقرة: 203].
وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما "الأيام المعدودات" بأنها أيام التشريق الثلاثة، وسميت كذلك لأن الناس كانوا يشرقون (ينشرون) لحوم الأضاحي لتجف في الشمس.
فضل الدعاء في أيام التشريق
الدعاء في هذه الأيام له مكانة عظيمة، خاصة في أول أيام التشريق، الذي يُعرف بيوم القَرّ، إذ قال رسول الله ﷺ:«إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر» [رواه أبو داود].
وقد ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال في خطبة يوم النحر: «بعد يوم النحر ثلاثة أيام، التي ذكر الله الأيام المعدودات، لا يُرد فيهن الدعاء، فارفعوا رغبتكم إلى الله».
أدعية يُستحب ترديدها في آخر أيام التشريق
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ الْيُسْرَ بَعْدَ الْعُسْرِ، وَالْفَرَجَ بَعْدَ الْكَرْبِ، وَالرَّخاءَ بَعْدَ الشِّدَةِ.
اللّهُمَّ ما بِنا مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ، لا إله إلّا أنتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إلَيْكَ.
لا إله إلا الله، الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين،
أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم،
اللهم لا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرّجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها، يا أرحم الراحمين.
«اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت،
أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي،
فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» – سيد الاستغفار.
فضل آخر أيام التشريق
أيام التشريق من أعظم الأيام عند الله، وفيها يتجلّى فضل الذكر والدعاء.
تُعدّ هذه الأيام مناسبة لأداء أعظم العبادات؛ كالذكر، والتكبير، والدعاء، وشكر الله على نعمه.
فيها يُكافأ العبد بنعيمين: نعيم البدن بالطعام والشراب الحلال، ونعيم الروح بذكر الله.
تُذكّرنا هذه الأيام بحقيقة الدنيا؛ فهي دار عبور، كما يحرم الحاجّ من ملذات الدنيا ثم يعود لها بعد النسك، كذلك يصوم المؤمن عن الشهوات ليُجزى بالجنة.
قال رسول الله ﷺ: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله» [رواه مسلم]، وهي بذلك تجمع بين لذّة الجسد وطهارة الروح.
أعمال يُستحب أداؤها في أيام التشريق
أوضح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، أن العبادات في الإسلام لا تخلو من حكم وأسرار، والحج على وجه الخصوص يحوي من الأسرار ما يُثري النفس والعقل. وقد بين أن أيام التشريق تُعدّ امتدادًا روحانيًا لشعائر الحج، وأنها ليست مجرد أيام احتفال، بل هي أيام ذكر لله وشكر، توحّد الأمة تحت لواء الطاعة.
وأشار إلى أن هذه الأيام، التي سميت "بالتشريق" لكثرة ما يُشرق فيها اللحم (يُنشر في الشمس)، تؤكد على أهمية استشعار النعمة، والاعتراف بفضل الله، وشكره، والإكثار من الذكر، والتكبير، والتضرع بالدعاء.