بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

في ذكرى ميلاده.. الإمام عبد الحليم محمود ومعاركه من أجل الأزهر والإسلام

بوابة الوفد الإلكترونية

في زمن التحديات، لا يظهر القادة العاديون، بل أولئك الذين يحملون همّ الدين في قلوبهم وعقولهم، كان الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود واحدًا من هؤلاء القادة الذين لم ينحنوا أمام العواصف، بل وقفوا في وجهها بكل ما يملكون من علم وشجاعة وإيمان، ونتذكر علاماته وكيف خاض معارك من أجل الأزهر والإسلام في يوم مولده الموافق 12 مايو.

الميلاد والنشأة

ولد عبد الحليم محمود في مثل هذا اليوم، 12 مايو 1910، بقرية السلام التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، وسط أسرة عرفت بالورع والصلاح، حفظ القرآن صغيرًا، ثم التحق بالأزهر الشريف، وواصل رحلته العلمية حتى نال الدكتوراه في التصوف الإسلامي من باريس، في دراسة عميقة عن الحارث المحاسبي.

حين عُيّن شيخًا للأزهر عام 1973، كانت المؤسسة العريقة تمرّ بأحد أصعب فصولها، فقد فرض قانون الأزهر عام 1961 تغييرات جوهرية قلصت من سلطات المشيخة، ووسّعت من سلطة وزارة الأوقاف، بل وألغت جماعة كبار العلماء. لكن الإمام عبد الحليم لم يقبل أن يكون شيخًا بصلاحيات منقوصة، فبدأ رحلة طويلة من الإصلاح لاستعادة هيبة الأزهر واستقلاليته.

  • التالي تسجيل نادر لحديث فضيلة الإمام الأكبر العارف بالله الشيخ عبد الحليم محمود في المولد النبوي:

معارك فكرية ومؤسسية

في مجمع البحوث الإسلامية، أعاد ترتيب البيت من الداخل، واختار صفوة من علماء الأزهر لتشكيل جهازه العلمي والإداري، وحرص على بناء مكتبة ضخمة للمجمع بفضل علاقاته الواسعة بالمؤلفين والباحثين.

ثم جاء دوره في وزارة الأوقاف، حيث قاد مشروعًا طموحًا لتطوير المساجد، واستعادة الأوقاف المنهوبة، وإنشاء هيئة تديرها بكفاءة. ولم يكن اهتمامه بالمساجد شكليًا، بل أعاد لجامع عمرو بن العاص - أقدم مساجد إفريقيا - روحه، حين أوكل الخطابة فيه للشيخ محمد الغزالي، فامتلأ بالمصلين من جديد.

صوت الأزهر في وجه السلطة

أحد أكثر المواقف جرأة في حياة الإمام عبد الحليم كان تصديه لمحاولة تمرير قانون أحوال شخصية جديد، تبنته وزيرة الشئون الاجتماعية آنذاك، عائشة راتب، بدعم واضح من السيدة جيهان السادات. القانون كان يتضمن موادًا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فما كان من الإمام إلا أن أصدر بيانًا ناريًا يرفض فيه المشروع بشدة، ورغم محاولات كتم صوته ومنع نشر البيان، إلا أن الضغط الشعبي والديني أجبر الحكومة على التراجع، وتم وأد القانون قبل أن يُولد.

رفضه "الكتب الدينية الموحدة"

حين اقترح البابا شنودة فكرة تأليف كتب دينية موحدة يتلقاها الطلاب المسلمون والمسيحيون في المدارس، قوبل الاقتراح بترحيب رسمي، حتى وصل إلى مكتب الإمام،  فجاء رده حاسمًا لا لبس فيه: "من أذن لك بهذا؟ إنْ طُلب منا هذا فاستقالتي جاهزة"، وبهذه الصرامة، أغلق الباب أمام فكرة كانت تهدد خصوصية التعليم الديني.

إحياء المعاهد الأزهرية وتوسيع رقعتها

كان يعلم الإمام أن الأزهر لن ينهض إلا إذا قوي التعليم الأزهري من جذوره، فبدأ بالدعوة لإنشاء معاهد دينية جديدة في أنحاء مصر، رغم أن ميزانية الأزهر كانت بالكاد تكفي. لكن حب الناس وثقتهم فيه ساندته، فتبرعوا بالأراضي والمال، وشهدت تلك الحقبة طفرة غير مسبوقة في عدد المعاهد الأزهرية.

الدعوة لتطبيق الشريعة

لم يكن عبد الحليم محمود رجل إدارة فقط، بل كان مفكرًا حركيًا يحمل حلمًا كبيرًا بتطبيق الشريعة الإسلامية في مؤسسات الدولة. كتب بنفسه إلى رئيس مجلس الشعب ورئيس الوزراء آنذاك، مطالبًا بتسريع العمل على تطبيق الشريعة، قائلاً: "لقد آن الأوان لإرواء الأشواق الظامئة في القلوب إلى وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح..."

في ذكرى ميلاده اليوم، لا نتذكر فقط عالِمًا أزهريًا جليلًا، بل نتوقف أمام رجل دولة حقيقي، قاوم كل محاولات تحجيم الأزهر، ودافع عن الإسلام بلا تردد، وكتب سطورًا مضيئة في تاريخ الأزهر والدعوة الإسلامية.