خالد الجندي: الفشل في القرآن لا يعني عدم النجاح

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن الإسلام دين الرحمة والتسامح، مستشهدًا بقول الله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، لكنه في الوقت ذاته يرفض الظلم والاعتداء ويدافع عن حقوق المظلومين.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الاثنين، أن هناك فرقًا جوهريًا بين "قاتلوا" و"اقتلوا" في القرآن الكريم، مشيرًا إلى أن كلمة "قاتلوهم" في قوله تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ" (الأنفال: 39)، لا تعني الاعتداء على الآخرين، وإنما تعني الدفاع عن النفس ورد العدوان، حيث إن الفعل "قاتل" يفيد المشاركة، أي أن هناك طرفًا بدأ القتال، فيكون القتال حينها ردًا ودفاعًا وليس هجومًا واعتداءً.
وأضاف أن "الفتنة" في هذه الآية تعني الشرك بالله، أي أن الهدف من القتال هو حماية التوحيد من الإكراه على الشرك، وليس إجبار أحد على الإسلام، مشيرًا إلى أن الآية تدافع عن حرية العقيدة وتحمي المؤمنين من الاضطهاد الديني.
كما تناول الشيخ خالد الجندي مفهوم "الفشل" في القرآن الكريم، موضحًا أنه لا يعني عدم النجاح كما هو شائع، بل يعني الجبن والتخاذل عن المواجهة، مستشهدا بقوله تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ" (آل عمران: 152)، أي حتى إذا جبنتم وترددتم في القتال.
وأضاف أن هذا المفهوم يوضح أن الفشل في القرآن لا يجوز أن يُنسب للأنبياء، فلا يصح القول إن نبي الله نوح "فشل" في هداية ابنه أو زوجته، لأن ذلك يعني وصفه بالجبن، وهو ما لا يليق بمقام النبوة.
وفي حديثه عن سبب عدم بدء سورة التوبة بالبسملة، أوضح الشيخ خالد الجندي أن هناك عدة أقوال في تفسير ذلك، وأشهرها أن هذه السورة نزلت لنقض العهود مع المشركين الذين اعتدوا على المسلمين، بينما البسملة تحمل معاني الرحمة، ومن ثم لم يكن من المناسب أن تبدأ بها السورة، لأنها إعلان براءة من المشركين المعتدين، ولا رحمة لهم بعد نقض العهد.
وأكد أن قراءة القرآن بالتشكيل أمر ضروري لحفظ معانيه وعدم الوقوع في أخطاء قد تؤدي إلى تحريف المعنى، مشيرًا إلى أن هناك فرقًا جوهريًا بين قراءة القرآن بالتجويد وقراءته بالتشكيل.
وأوضح، أن التجويد سنة لكنه ليس فرضًا، بينما التشكيل إلزامي، لأن أي خطأ في التشكيل قد يؤدي إلى تغيير المعنى تمامًا، مستشهدا بقوله تعالى في سورة التوبة: "وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ"، موضحًا أن نطق كلمة "وَرَسُولُهُ" بالضم يجعلها معطوفة على لفظ الجلالة، أي أن الله ورسوله بريئان من المشركين، أما إذا قرأها أحد بالجر "وَرَسُولِهِ" بالخطأ، فسيكون المعنى أن الله بريء من المشركين ومن الرسول، والعياذ بالله، وهذا تحريف خطير لا يجوز.
وأشار الشيخ خالد الجندي إلى أن القرآن الكريم نزل بلسان العرب، ولغتهم كانت تعتمد على الدقة في التعبير والتصوير البلاغي، موضحًا أن بعض آيات القرآن استخدمت تصويرًا دقيقًا للأحداث والمواقف، كما في قوله تعالى: "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَ لَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ" (التوبة: 47).
وأضاف أن تعبير "لأوضعوا خلالكم" يصف حركة الفتنة بين المسلمين، مشبهًا إياها بحركة الجمل الذي يتحرك بحذر بين الخيام، وهو تصوير بليغ لأسلوب المنافقين الذين كانوا يتسللون بين الصحابة لنشر الفتنة والتشكيك في الدين وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأوضح الشيخ أن المنافقين يعتمدون على اختبار البيئة قبل نشر الفتنة، فينظرون أولًا: هل الشخص لديه القابلية لتصديق الإشاعات أم لا؟ فإن وجدوه مستعدًا، بدأوا بنشر الأكاذيب باستخدام عبارات مثل: "أنا سمعت، أنا شفت، أنا متأكد"، وهذا ما حذر منه القرآن، حيث أكد أن بعض المسلمين قد يكونون "سَمَّاعُونَ لَهُمْ" أي يقبلون الاستماع إليهم دون تحقق.