نبض الكلمات
لم يكن حزب الوفد يوما حزبا عاديا، ولم يخلق ليكون رقما فى كشف الأحزاب، بل ولد ليكون بيت الأمة، البيت الذى احتمى به المصريون حين لم يكن لهم صوت، والراية التى التفوا حولها حين كان الوطن يبحث عن نفسه لأكثر من مائة عام، لم يكن الوفد مجرد كيان سياسى، بل حالة وطنية صنعت أول ملامح الحياة السياسية الحديثة فى مصر، بل وفى المنطقة كلها أقدم الأحزاب عراقة.
«الوفد» هو حزب ثورة 1919، الثورة التى لم تكن انتفاضة عابرة، بل زلزالا وطنيا أسس لفكرة أن الشعب مصدر الشرعية، وأن السياسة فعل جماهيرى لا امتياز نخبة، من رحم تلك الثورة خرج الزعماء «سعد والنحاس وسراج الدين»، لا كزعيم حزب، بل كضمير أمة، ومعه رجال وضعوا أول لبنة لدولة دستورية، وبرلمان حقيقى، وحياة حزبية كانت سابقة لعصرها فى الشرق الأوسط، فحين نتحدث عن الوفد، فإننا نتحدث عن حزب صنع الدستور، ورسّخ مبدأ الأمة فوق الحاكم، وعلّم المصريين معنى الانتخابات، والمساءلة، والتعددية، قبل أن تصبح هذه الكلمات شعارات مستهلكة، لذلك فإن أى حديث عن الوفد خارج هذا السياق التاريخى هو اختزال، بل ظلم لتجربة لم تُمنح حقها فى الذاكرة الوطنية.
اليوم، ومع اقتراب أخطر انتخابات فى تاريخ حزب الوفد، لا تكون المسألة مجرد اختيار رئيس، بل لحظة اختبار تاريخية، هل يليق أن يُدار حزب قاد ثورة أمة بعقلية إدارة أزمة؟ هل من الممكن أن يعود بيت الأمة إلى قمته، بينما تُعاد هندسة السياسة من حوله بأحزاب وليدة بلا جذور ولا ذاكرة؟. وفى وقتٍ أعادت فيه الدولة تشكيل الخريطة الحزبية، فدعمت أحزابا تحت الإنشاء، بلا تاريخ ولا جذور، وصنعتها سياسيًا ونيابيًا، إلا أن سيظل الوفد بالمخلصين أقوى لأنه حمل لواء الوطنية لعقود.
انتخابات الوفد ليست شأنا داخليا، بل رسالة سياسية صعبة، رسالة تقول إن الحزب الذى قاد الجماهير يوما لا يزال قادرا على تجديد نفسه، أو اعترافا مؤلما بأن التاريخ وحده لا يكفى إن لم تحمله قيادة بحجمه، فالوفد لا يحتاج رئيسًا فقط، بل امتدادا لمدرسة سعد والنحاس ونخبة أسطورية من النوع الفريد، ومدرسة ترى فى الحزب أداة لتحرير الإرادة، لا منصة للتفاوض على النفوذ.. فى زمن تُصنع فيه أحزاب بالقرار، ويُضخ فيها المال لتملأ الفراغ.
يبقى الوفد هو الحزب الذى صنع بالدم والتضحيات والوعى الشعبى والثقافية السياسية البريئة، ولهذا فإن الحفاظ عليه ليس حنينا للماضى، بل دفاعا عن فكرة السياسة نفسها، انتخابات الوفد اليوم ليست صراع أسماء، بل معركة على المعنى: لكى يعود الحزب إلى موقعه الطبيعى كقائد للرأى العام، أو يترك فراغًا لأحزاب كرتونية ولدت من رحم ساسة مزيفين.. الوفد حزب أكثر من مئة عام، نعم، لكنه ليس حزب الماضى، هو حزب الثورة، والدستور، والشارع، وإذا أحسن الوفديون الاختيار، يمكنه أن يكون حزب المستقبل أيضا، فرئيس حزب الوفد القادم لا يجب أن يكون مجرد «مدير مرحلة»، بل منقذا حقيقيا، يمتلك شجاعة المواجهة لا مهارة المناورة، ويؤمن أن الحزب لا يُدار بعقلية الصفقات ولا بمنطق إرضاء الجميع، بل برؤية واضحة تعيد للوفد مكانته كحزب دولة.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية