رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

هناك لحظات في حياة الفنان تشبه تلك العتبات الصامتة التي لا يلتفت إليها إلا بعد أن يعبرها بسنوات، لحظات تكشف أن الهزيمة لم تكن إلا درسًا متقنًا، وأن السقوط كان مجرد خطوة صغيرة على طريق طويل نحو النضج.
منى زكي التي تعود اليوم إلى دائرة الضوء عبر فيلم "الست"، العمل الذي فجّر نقاشًا واسعًا حول قدرتها على تجسيد شخصية أم كلثوم، لكن ما يغيب عن كثيرين أن هذا الجدل ليس سوى فصلٍ جديد في رحلة بدأت قبل أكثر من عشرين عامًا، حين وقفت لأول مرة أمام شخصية سعاد حسني، عندما قدّمت شخصيتها في مسلسل "السندريلا".
وُضعت منى زكي بسبب هذا المسلسل أمام امتحان قاسٍ، الجمهور كان يرفض المقارنة أصلًا، والنقاد اعتبروا أن الأداء جاء باهتًا، مسطحًا، خاليًا من الروح التي عرفتها الشاشة طوال حياة سعاد، ففشل الدور وقتها وفشل المسلسل بأكمله.
لم يكن الفشل وقتها، فقط لأن منى لم تُشبه سعاد، بل لأنه جاء في مرحلة مبكرة من حياتها الفنية، كانت ما تزال ابنة الدراما الخفيفة والرومانسيات النظيفة.. لم تمرّ بتجربة تتطلب هذا القدر من التحوّل النفسي والحضور الفني، ومع ذلك، كان ذلك الفشل أشبه بصفحة أولى من كتاب النضج، صفحة تُوجع، لكن لا يمكن تمزيقها.
ما بين إخفاق "السندريلا" سنة 2006 وظهورها في "الست" اليوم، مرت منى زكي بمرحلة تبدو كأنها إعادة تكوين كاملة لشخصيتها الفنية، مرحلة لم تعتمد على الانتشار، بل على اختيارات صعبة، وأدوار خرجت بها من منطقة الأمان إلى منطقة ليست فيها ضمانات.

بعد "السندريلا" تحديدًا، بدأت منى تختبر نفسها أمام أدوار أقسى وأعمق، ففي فيلم "احكي يا شهرازاد" (2009) قدمت شخصية إعلامية تعيش صراعًا أخلاقيًا مع السلطة والفساد والعنف الأسري، وكان الدور نقطة تحوّل لأنها لأول مرة تتخلى تمامًا عن صورة الفتاة الرقيقة لصالح امرأة تواجه الانهيار النفسي والضغط الاجتماعي، وهو ما جعل النقاد وقتها يعتبرون أن الفيلم أول خطوة حقيقية لمنى نحو الدراما السياسية النفسية.
في "أسوار القمر" (2015) خاضت منى تجربة معقدة على مستوى الأداء، قائمة على التحولات النفسية والذاكرة المفقودة، بتقنية مونتاج صعبة، عندما قدّمت الشخصية في عدة حالات، وهو تحدّ لم تكن لتتحمله لولا نضجها الفني الجديد، ورغم الجدل حول الفيلم، إلا أن أداءها تلقّى إشادات على مستوى الطبقات النفسية.
أما في "أصحاب ولا أعز" (2022) فقدّمت منى الدور الأكثر جرأة في حياتها، وواجهت عاصفة غير مسبوقة من الهجوم، لكن طريقة تعاملها مع النقد والهجوم كانت درسًا في النضج، لم تعتذر، ولم تتراجع، ولم تغيّر موقفها، وهنا، ظهرت منى القوية، التي تعرف أن الإبداع له ثمن، وأن النضج ليس مجرد أداء، بل تحمّل تبعات الاختيار.
وفي "تحت الوصاية" (2023) قدّمت شخصية امرأة على حافة الانكسار، مطاردة من مجتمع كامل، وتدافع عن طفليها، أداؤها كان أبعد ما يكون عن منى زكي القديمة؛ جافّ، موجوع، ومشحون بحزن صامت أثبت قدرتها على الأداء الداخلي العميق.
كل هذا التراكم جعل منى زكي تصل إلى "الست" وهي ليست منى التي فشلت في تقليد سعاد حسني، بل ممثلة قضت 15 سنة من عمرها في هدم صورتها القديمة وبناء ممثلة جديدة.. ممثلة تعرف أن الدور الكبير لا يُؤخذ بالشبه، بل بالقدرة على الدخول إلى النَفَس الداخلي للشخصية.
هذا التراكم هو الذي مهّد لعودتها اليوم في أصعب اختبار درامي يمكن أن يقف أمامه ممثل عربي، تجسيد أم كلثوم.
الفيلم فجّر منذ لقطاته الأولى نقاشًا عن الشبه، وعن صوت أم كلثوم والروح والأداء، البعض هاجم، البعض دافع، والكل تابع، لكن وسط هذا الضجيج، يقف شيء واحد واضح، وهو أن منى زكي اليوم تختلف جذريًا عن منى زكي التي أخفقت في "السندريلا"
في "الست"، لا تقدّم منى مجرد محاكاة للفنانة، بل تحاول بناء منطق داخلي للشخصية، الصلابة، الكبرياء، عبء الشهرة، وهالة الوقار، الاعتراضات موجودة، نعم، لكن من يشاهد الفيلم يدرك أن الأداء قائم على وعي وخبرة وتراكم طويل من المران والتجربة.
هي لم تعد الفتاة التي تحاول تقليد سعاد حسني.. هي اليوم امرأة في منتصف نضجها الفني، تعرف كيف تتعامل مع شخصية عملاقة دون أن تبتلعها، ودون أن تدّعي أنها أصبحت أم كلثوم الجديدة.
بين سقوطها القديم في "السندريلا" وصخب "الست"، تقف منى زكي اليوم عند لحظة تستحق التأمل، ليست اللحظة التي تقول فيها انتصرت، ولا اللحظة التي ينتظر فيها البعض أن تفشل، بل لحظة مختلفة.. لحظة نضج، نضج جعل الجمهور والنقاد، رغم الخلاف، يعترفون أن منى زكي أصبحت واحدة من أهم الممثلات العربيات القادرات على الدخول في قلب الأسطورة، والخروج منها واقفة.