رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

 

لم تعد انتخابات مجلس النواب مجرد يوم انتخابى نعد أوراقه ونغلق صفحته، بل تحولت إلى اختبار حقيقى لضمير هذا الوطن ولعلاقته بأبنائه، ما جرى لم يكن حدثا عابرا، ولا زوبعة على هامش السياسة، بل كان لحظة فاصلة كشفت أمام الجميع حجم التصدع الذى أصاب الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

وهذه اللحظة، مهما حاول البعض الهروب منها، تفرض علينا أن نواجه الحقيقة وجها لوجه، المصريون لم يعودوا يقبلون أن تدار حياتهم العامة بنفس عقلية الأمس، ولم يعد صوتهم يحتمل التجميل أو المراوغة أو الكلمات المنمقة التى تقول كل شيء دون أن تعترف بشيء.

وهنا أتكلم بلسان مواطن مصرى قبل أن أكون كاتبا، ما حدث فى الانتخابات الأخيرة لم يكن مجرد اختلاف على أرقام أو طعون قانونية تحسم فى لجان التحقيق، بل كان انفجارا لتراكم طويل من الشكوك، تابعها الناس لحظة بلحظة، من أمام اللجان إلى غرف الفرز، ومن الفيديوهات المنتشرة إلى الوثائق التى وضعها المواطنون بأيديهم على مواقع التواصل.

نحن أمام وعى شعبى لم يعد من الممكن التقليل منه أو تجاهله. المواطن لم يعد يكتفى بالتفرج؛ أصبح يراقب، يوثق، يحلل، ويفرض على الجميع أن يسمعوه.

وحين تابعنا قرارات إلغاء نتائج دوائر كاملة، وما صاحبها من جدل لا ينتهى، بدا واضحا أن المشكلة ليست تفصيلة بسيطة داخل ورقة انتخابية، بل حالة خلل بنيوي لا يمكن ترقيعه ببيان صحفى أو لجنة مراجعة شكلية.

هناك أزمة فى الثقة، أزمة فى طريقة إدارة الانتخابات، وأزمة - وهذا الأخطر - فى فهم معنى صوت المواطن. نحن لسنا مجرد أرقام تكتب فى تقرير، ولسنا «مشاركة انتخابية» ترفع بها نسبة، نحن أصحاب البلد ومن حقنا أن نعرف كيف تدار العملية من بدايتها لنهايتها.

وأنا واحد من الذين يرفضون تصغير المشكلة تحت حجة أنها مجرد تجاوزات فردية. لا يا سادة ما حدث أكبر من ذلك بكثير.

هذا شعب كامل يشعر بأن إرادته تمس، وأن صوته لا يصل كما وضعه فى الصندوق. وهذه ليست قضية سياسية فقط، بل قضية كرامة وطنية، لا دولة تستقر إذا فقد الناس ثقتهم فى أبسط أدوات التعبير عن إرادتهم: الانتخابات.

وأقولها بلا تردد، خيانة القسم الدستوري ليست خطأ إداريا ولا تجاوزا عابرا، بل فعل يرقى إلى مستوى الخيانة الوطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأن القسم ليس زينة احتفالية يرددها المسؤول أمام الميكروفونات، بل هو عهد ووعد مقدس بينه وبين هذا الوطن.

ومن يخون العهد مع الشعب لا يستحق أن يجلس يوما واحدا على مقعد مسؤول، أنا أدعو إلى قانون يمنح المواطن الحق فى تحريك الدعوى بنفسه ضد أى مسؤول يخون القسم، ويضع عقوبات لا تحتمل الالتفاف، السجن المؤبد المشدد خمسة وعشرون عاما، مع مصادرة الأموال بلا تصالح، لأن من يعبث بإرادة الناس لا يعبث بصندوق انتخاب فقط، بل بوطن.

ومن يخون وعده مع الوطن يخون دماء الشهداء، وحقوق الناس، ومستقبل الأجيال القادمة، إن العبث بصوت المواطن جريمة تساوى العبث بسلامة الدولة نفسها، ومن يمد يده على إرادة المصريين يجب أن يحاسب كما يحاسب من يعتدى على حدود الوطن أو يتلاعب بأمنه.

ولا يمكن أن نعيد بناء الثقة إلا بتشريع صارم يجرم خيانة القسم الدستورى بلا أى تردد أو تهاون، ولهذا أطالب بتشريع لا يعرف المجاملة ولا الاستثناء، تشريع يجعل كل مسؤول - أيا كان موقعه - يحسب ألف مرة قبل أن ينحرف قيد أنملة عن القسم الذى أداه.

قانون يضع حنث اليمين فى خانة الجرائم الكبرى التى تستحق أعنف عقوبة، لأن الدولة التى تتساهل فى حماية قسم مسؤوليها دولة تفتح الباب للفوضى وتضعف نفسها من الداخل.

نحن بحاجة إلى ردع حقيقى لا يهز الأعصاب فقط، بل يهز الضمير، حتى يدرك كل من يمسك بسلطة فى هذا البلد أن خيانة صوت المصريين خيانة للوطن نفسه.

البعض سيقول إن المشكلة ليست فى القوانين بل فى تطبيقها، وأنا أوافقه، لكن وجود قانون واضح وحازم يجعل أى مسؤول يفكر ألف مرة قبل أن يمد يده على العملية الانتخابية أو يوقع مستندا يخالف القانون. الردع ليس قسوة… الردع عدل. الردع حماية للوطن من العبث باسم السلطة أو النفوذ أو العلاقات.

وقد رأيت بعينى – مثل ملايين المصريين – كيف تحولت بعض الدوائر إلى ساحة نفوذ لا ساحة منافسة، وكيف اختلطت مصالح لا علاقة لها بالسياسة ولا بالعمل العام. وعندما تلغى النتائج فى أكثر من دائرة، فهذا لا يعنى أن هناك خطأ فرديا، بل يعنى أن البنيان كله يحتاج مراجعة. الانتخابات ليست مهرجانا شعبيا، ولا فرصة لاستعراض النفوذ… الانتخابات عقد ثقة بين المواطن والوطن.

ومصر، التى علمت المنطقة معنى السياسة والفكر والنقاش العام، لا يليق بها أن تتحول الانتخابات فيها إلى جلسة «مجاملة» تدار بعيدا عن أعين الناس. الشعب المصرى لم يخلق ليكون جمهورا صامتا، بل شريكا حقيقيا فى صناعة القرار. وما يدفعنى للكتابة بهذا الحماس اليوم هو إحساسى بأننا نقترب من مفترق طرق: إما أن نعيد الثقة بجرأة وصدق، وإما أن نستمر فى دوامة الشكوك التى تضعف الدولة قبل أن تجرح المواطن.

نحن على أعتاب مرحلة تحتاج إلى رجال ونساء يفهمون أن خدمة الوطن ليست وظيفة ولا وجاهة اجتماعية، بل مسؤولية ثقيلة لا يحملها إلا من يحترم القسم ويحترم نفسه قبل أن يحترم الآخرين. والبرلمان القادم يجب ألا يكون امتدادا للخطأ، بل بداية جديدة تغلق الباب أمام الممارسات التى رأيناها وتفتح الباب أمام انتخابات نزيهة بحق.

أكتب هذا المقال لأننى أحب هذا البلد، وأخاف عليه، ولا أريد أن أرى ثقة المصريين تتآكل يوما بعد يوم. ما حدث يجب أن يكون جرس إنذار، لا مناسبة للتهوين. الإصلاح السياسى ليس رفاهية، بل ضرورة وجود. وإذا أردنا لمصر أن تمضى إلى المستقبل بثقة حقيقية، فعلينا أن نقول لأنفسنا: نعم… أخطأنا، وعلينا أن نصلح قبل أن يستفحل الخطأ. فالوطن لا ينهض بالشعارات، بل بالمصارحة، وبإجراءات تثبت للناس أن أصواتهم ليست أمانة ضائعة، بل قوة حقيقية تحترم.