ذئاب بشرية.. فى المدارس الدولية
الخبراء: اختيار العاملين ثغرة خطيرة تفتح الباب للانحراف الأخلاقي
بينما تتباهى المدارس الدولية فى مصر بلافتات «تعليم عالمي» ورسوم باهظة تتجاوز مقدرات معظم الأسر المصرية، تكشف الأحداث وشهادات الخبراء التربويين أن وراء تلك البوابات المحكمة عالمًا آخر: فوضى تنظيمية، غياب ضوابط، وانفلاتا فى اختيار العاملين يفتح الأبواب أمام كوارث تربوية وأخلاقية تهدد أمن الأطفال.
حوادث متلاحقة خلال السنوات الأخيرة - من اعتداءات وتحرشات وتجاوزات - أعادت إلى دائرة الضوء سؤالًا جوهريا: كيف يتم اختيار العاملين فى تلك المدارس؟ ومن يمنحهم حق التعامل المباشر مع الأطفال؟
وتكشف شهادات الخبراء أن المدارس التى تبيع «الصورة المثالية» - فصول مكيفة، ملاعب حديثة - شعارات رنانة قد تخفى فى الداخل ثغرات قاتلة:

عمال بلا فحص… مدرسون بلا تدريب… وإدارات تهتم بالتحصيل المالى أكثر من التحصيل التربوى.
هذا الخلل - بحسب الخبراء - يصنع بيئة خصبة للعنف، والتحرش، وسوء السلوك، ويحوّل الطفل إلى ضحية محتملة داخل مؤسسة يفترض أن تكون «الأكثر أمانًا» فى حياته اليومية.
التحقيقات الرسمية مستمرة، والغضب الشعبى يتصاعد، والوزارة تتدخل بعد وقوع الكارثة… لكن الخبراء يجمعون على حقيقة واحدة: «الأمن التربوى يبدأ من اختيار الإنسان… قبل اختيار المناهج».
وتأتى الواقعة الأخيرة بمدرسة «سيدز الدولية» - والتى دفعت وزارة التربية والتعليم إلى وضع المدرسة تحت الإشراف المالى والإدارى الكامل - لتكون جرس إنذار جديدًا حول الخلل المؤسسى داخل بعض المدارس الخاصة والدولية.
الدكتور حمدى حمزة، الخبير التربوى، يصف ملف اختيار العمال داخل المدارس بأنه «أخطر ثغرة أمنية» فى العملية التعليمية، محذرًا من أن المدارس - بجميع أنواعها - تتعامل مع هذا الملف بمنتهى العشوائية.
يقول حمزة لـ«الوفد» لدينا مدارس توظف العمال بلا أى خبرة، بلا أى تدريب، وبلا أى معايير… بعضهم اكتُشف لاحقًا أنه يتعاطى المخدرات.

ويكشف أن الاعتماد على «المعارف والمحسوبية» لا يزال يحكم حركة التعيينات، فيما تتحول التحاليل الطبية واختبارات المخدرات إلى إجراءات شكلية، غالبًا ما تستكمل على الورق فقط.
ويضيف: هذه الفوضى كانت سببًا مباشرًا فى حوادث اغتصاب وتعديات مؤلمة داخل مدارس معروفة… وما لم نتخذ إجراءات صارمة، فالقادم أخطر».
أما الدكتورة بثينة عبدالرؤوف، الخبير التربوى، فتذهب إلى ما هو أبعد:
تؤكد أن الخلل لا يقتصر على العمال فقط، بل يمتد إلى المدرسين أنفسهم، داخل منظومة تصفها بأنها «هشة… بلا معايير… بلا رقابة».
تقول عبدالرؤوف: بعض المدارس الدولية تستقدم مدرسين أجانب لمجرد أنهم يجيدون الإنجليزية! لا تدريب تربوى، لا خلفية نفسية، لا تقييم مهني… وكأن المدرسة تبيع خدمة لا تصنع إنسانًا».
وتضيف أن بعض المدارس تحولت إلى «ديكور تعليمى فاخر» يخفى داخله ضعفًا إداريًا يصل إلى حد العبث، مؤكدة أن غياب المعايير جعل بعضها يدار بعقلية «السوبر ماركت» لا بعقلية مؤسسة تربوية.
وتطالب عبدالرؤوف بإجراءات عاجلة، بينها: اختبار مخدرات دورى للعاملين، واختبار نفسى شامل لقياس الاتزان السلوكى، ووجود مشرفات سيدات داخل حمامات رياض الأطفال والابتدائى لمنع أى احتكاك قد يؤدى إلى اعتداءات، مع رقابة دورية ملزمة بإثبات إجراء الاختبارات لجميع العاملين.
والسؤال الذى يفرض نفسه الآن:
كم كارثة أخرى يجب أن تقع، قبل أن يصبح أمن الأطفال أولوية… لا رفاهية؟
النيابة: حبس المتهمين بالتعدي علي أطفال مدرسة سيدز للغات
مصادر: الجناة اتخذوا مخزنًا داخل غرفة مظلمة مأوى لجرائمهم
كتب- محمد تهامى:
فتحت جهات التحقيق المختصة تحقيقات موسعة فى الواقعة التى شهدتها مدرسة سيدز للغات التابعة لإدارة السلام التعليمية، إثر تقدم بلاغات من أولياء أمور طلاب وطالبات تفيد بتعرض أطفالهم للتحرش وأفعال غير أخلاقية داخل إحدى الغرف بهذه المدرسة، واتهامهم لثلاثة من عمال المدرسة وأحد أفراد الأمن بارتكاب فعل غير لائق والتعدى على أبنائهم الأطفال.
واتخذت جهات التحقيق إجراءات حازمة تجاه الواقعة تضمنت حبس المتهمين، واستدعاء الأطفال وأسرهم لسماع الأقوال الرسمية، وفحص كاميرات المراقبة داخل المدرسة، وكلفت المباحث الجنائية بإجراء التحريات حول الواقعة، مع استمرار سماع أقوال مسئولى المدرسة ومراجعة التحركات داخل الحرم المدرسى.

وقالت مصادر إن الأجهزة الأمنية تلقت بلاغات من أولياء أمور التلاميذ ضد 4 موظفين فى المدرسة المذكورة، بسبب اعتدائهم الجنسى والتحرش بـتلاميذ Kg2 داخل المدرسة، وعلى الفور انتقل فريق أمنى إلى مقر المدرسة وتمكنت من ضبط المتهمين وإحالتهم الى النيابة العامة للتحقيق، وجرى اتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة، وتفريغ ومراجعة كاميرات المراقبة الواقعة ضمن نطاق الشكوى محل التحقيق، والتعامل مع الأمر بمنتهى الجدية والمسئولية.
وأشار مصدر أمنى إلى أن إحدى الضحايا أرشد فريق النيابة إلى مكان داخل المدرسة يرجح أنه كان مسرحًا للواقعة؛ وهو عبارة عن مخزن داخل غرفة مظلمة ومحاطة بالخردوات وبقايا الأدراج، وأفاد بعض الأطفال بأن الاستدراج تم إلى هذا الموقع تحت تهديد بأداة حادة لمنعهم من الإبلاغ، وفقًا لأقوال أهالى الأطفال الضحايا.
وأثارت الواقعة حالة عارمة من الغضب والاستياء بين المواطنين وقلق وخوف الرأى العام على أبنائهم الطلاب، مستنكرين ما تعرض له أطفال صغار أبرياء لم تتعد أعمارهم 10 سنوات داخل مدرسة سيدز الدولية، وسط مطالبات بعقاب رادع لمن تسول له نفسه ارتكاب تلك الجرائم الأخلاقى، وردع مثل هذه الانحرافات والأفعال غير الأخلاقية من جانب عمال المدرسة، وتداول تساؤلات حول الواقعة المؤسفة وتداعياته الكارثية وما هى الضوابط والمعايير التى ينتقى من خلالها أصحاب ومسئولى هذه المدارس للعاملين، لضمان صون كرامة وسلامة الأطفال وحمايتهم، وكيف تتحول بعض المدارس الدولية من مكان تعليمى وتربوى الى مأوى للذئاب البشرية، وخاصة أن هذه ليست الواقعة والمخالفة الأولى فقد سبقتها عدة وقائع مختلفة شهدتها مدارس دولية أخرى، تتطلب الوقوف أمامها والتحقيق الفورى فيها.
التعليم تضع «سيدز الدولية» تحت الإشراف المالى والإداري
«عبداللطيف»: لا يوجد جرم أشد قسوة من أن تمتد يدٌ إلى طفل
كتب- صلاح شرابى ونرمين عشرة:
قرر محمد عبداللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، وضع مدرسة سيدز الدولية تحت الإشراف المالى والإدارى واستلامها لإدارتها من قبل الوزارة إداريا وماليا بشكل كامل.
جاء ذلك بناءً على ما توصلت إليه تحقيقات اللجنة الوزارية الموسعة فى ملابسات واقعة تعدى عاملين بالمدرسة على بعض أطفال المدرسة،
وقرر وزير التربية والتعليم إحالة جميع المسئولين الذين ثبت تورطهم فى التستر أو الإهمال الجسيم فى حماية الطلاب بالمدرسة للشئون القانونية.

وقال وزير التربية والتعليم إنه «لا يوجد جرم أشد قسوة من أن تمتد يد إلى طفل، أطفالنا أمانة فى أعناقنا، وحمايتهم واجب لا يقبل التهاون وأى مدرسة لا تلتزم بمعايير الأمان والسلامة ولا تصون حقوق أبنائنا لا تستحق أن تكون ضمن المنظومة التعليمية المصرية وسيتخذ ضدها إجراءات رادعة».
وشدد وزير التربية والتعليم على أن أى مساس بطفل من أبنائنا جريمة لا تغتفر وأولوية التعامل معها تسبق أى شأن تعليمى، فصون كرامة وسلامة الأطفال وحمايتهم هو صون للوطن بأكمله.

وكانت مدرسة سيدز الدولية، أصدرت بيانا رسميًا، بعد واقعة التعدى على عدد من تلاميذ مرحلة رياض الأطفال من قبل عدد من العاملين بالمدرسة، قالت خلاله: «انطلاقا من قول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِها )، تؤكد إدارة المدرسة بكل وضوح وثبات أن أبناءكم الطلبة ليسوا مجرد متعلمين تحت رعايتنا، بل هم أمانة عظيمة فى أعناقنا، نلتزم بحفظها وصونها ورعايتها رعاية كاملة، وإن سلامتهم وكرامتهم وتربيتهم هى مسؤولية نؤديها بوعى كامل وحرص لا يقبل التهاون، كما عهدتم منا دائما».
وأكدت إدارة المدرسة دعمها الكامل لأولياء الأمور الذين بادروا بإبلاغ السلطات بما آلمهم وتثمن حرصهم ومسؤوليتهم وصدق مخاوفهم تجاه أبنائهم بما يستوجب أن نقف جميعاً إلى جانبهم ونؤازرهم وتدعهم ونتخذ كل ما يلزم من تدابير لصونهم وحمايتهم.