رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

لا يمكن النظر إلى «ملفات إبستين» باعتبارها حالة فردية من الاستغلال الجنسى للقاصرات، ليس نموذجًا فرديًا لانحراف أحد المليارديرات والإتجار فى البشر، «ملفات إبستين» تفضح العالم الخفى للنخبة العالمية التى تحكم وتتحكم، فتكشف تلك الملفات ببساطة هذه النخبة التى ترتدى أقنعة الإنسانية وتتخفى خلف شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان.
يمكن اختصار رحلة إبستين لمن لا يعرفه فى النقاط التالية: ولد 1953 فى بروكلين بولاية نيويورك، ينتمى للطبقة العاملة، من أصول يهودية، تم التحقيق معه فى أبريل 2005 بتهمة التحرش بفتاة قاصر، تمت إدانته يونيو 2008، وأكدت التحقيقات أن هناك 36 ضحية بعضهن لم تتجاوز أعمارهن 14 عامًا، ذاع صيته عالميًا بعد توجيه لائحة اتهام إليه بتهمة الاتجار الجنسى بالأطفال 2019، وفى 10 أغسطس من نفس العام عثر عليه ميتًا فى زنزانته، وخلص تقرير الطب الشرعى إلى أن الوفاة كانت نتيجة الانتحار شنقًا!!، ثم تدحرجت كرة النار التى تركها إبستين تحرق ما يرد فيها من أسماء، ويبدو أنها لن تتوقف قريبًا.
الأزمة ليست فى رحلة الغموض التى صاحبت صعود رجل من الطبقة العاملة إلى عالم الأثرياء وامتلاك جزيرة لممارسة الجنس مع القاصرات، الأزمة هى أسماء الشخصيات التى وردت فى تلك الملفات القذرة من رؤساء وأمراء وعلماء وإعلاميين ورجال أعمال، وآخرون لم تظهر أسمائهم حتى الآن فى انتظار رفع السرية عن تلك الوثائق، التى تحتوى كما يعتقد البعض على أدلة تُورّط شخصيات نافذة فى حكومات ومؤسسات مالية وشبكات استخبارات عالمية، لنعرف كيف يدار هذا العالم من حولنا، وفى كل الأحوال تشير بعض التقارير إلى تورط إبستين فى التجسس لصالح إسرائيل والعمل لصالح الموساد، عن طريق الاستغلال الجنسى للأطفال والوصول إلى النخبة السياسية.
فى لفتة هامة أشارت «ليان ريتشاردسون» الأستاذ بجامعة ولاية جورجيا، فى مقال لها بعد العثور على إبستين منتحرًا «أومقتولًا»، إلى واقعة مشابهة لتلك القضية، حيث الأثرياء الذين يقومون بإغواء فتيات قاصرات واستدراجهن إلى منازل فاخرة لممارسة الجنس تحت وعود العمل ورواتب مجزية، ورجال أعمال ورؤساء دول يتلذذون بالفجور، والأهم مسؤولون يتجاهلون الأمر!.
أشارت «ليان» إلى التحقيق الذى كتبه الصحفى البريطانى «دبليو تى ستيد» منذ أكثر من قرن، فى صحيفة «بال مال غازيت» اللندنية فى صيف 1885، بعنوان «التكريم الأول لبابل الحديثة» ومطابقته لحلقة الجنس القذرة لجيفرى إبستين، ففى السلسلة المكونة من أربعة أجزاء، كتب الصحفى الاستقصائى «دبليو ستيد» بالتفصيل الطرق التى استخدمها أثرياء العصر الفيكتورى لاستدراج الفتيات القاصرات لممارسة الجنس.
فى مقاله الأول كشف «ستيد»، كيف تم شراء آلاف الفتيات، تتراوح أعمارهن بين 13 و15 عامًا، لممارسة الجنس مع رجال بارزين فى لندن، من بينهم «عضو برلمان بارز»، ووزير، وطبيب، ورجل دين حصل على عذراء عمرها 12عامًا مقابل 20 جنيه إسترلينى، وبدلًا من العمل على القضاء على تجارة الجنس غير المشروعة وتحديد المتورطين فيها، أمر محامى مدينة لندن الشرطة بمصادرة نسخ من الجريدة واعتقال البائعين المتورطين فى بيعها!
أجرى«ستيد» مقابلات مع نساء شرحن كيف تغرين الفتيات بدخول منازل رجال أثرياء مقابل الطعام والمال، وكشف أصحاب بيوت الدعارة الذين يجندون الأيتام وبائعات الهوى والخدم والمربيات لزيارة السادة الأثرياء، وبدلًا من ملاحقة هؤلاء المجرمين جنائيًا، كان «ستيد» الوحيد الذى انتهى به المطاف فى السجن !!.
فى النهاية: نموذج إبستين فى دول العالم الثالث يشار إليه بالرجل العصامى، الرجل الذي تفتح له الأبواب المغلقة وتنحني أمامه الرؤوس طمعاً في رضاه وعطاياه، فى هذا العالم لا يمكن السماح بتداول نشر هذا النموذج من الفساد، حتى لا تتدحرج كرة النار فتحرق أصحاب السلطة والثروة المتورطين،أما فى العالم الأول من الأثرياء والنخبة الحاكمة التى تتحكم فى مصائر دول بأكملها، فيتم استغلال هذا النموذج سياسيًا لإسقاط هذا وفضح ذاك والضغط على آخر لتحقيق مصالح بعينها، وبعد تحقيق المطلوب لا شئ يحدث بعد ذلك، ويستمر هذا العالم الخفى للنخبة كما هو، ويصير الحدث مجرد ذكرى فى انتظار فضيحة أخرى لتحقيق مصالح جديدة!
أخيرًا: نحن أمام نموذج كاشف عن توارث جينات من الفساد واستغلال الفقراء، نموذج لطبقة ربما تتغير أثوابها وجلودها من زمن لآخر، لكنها تظل الطبقة المتحكمة، أما أصحاب الشرف مثل «ستيد» فيكون السجن هو نهاية المطاف.