هذا هو الإسلام
لقد وصل من روعة الإسلام أنه تعامل بفقه خاص مع كل الكائنات حتى الجماد، فالله عز وجل خلق الجماد لخدمة النبات فتُرمى الحبة بين جماد الأرض فتتحول الأرض إلى أم رؤوم تحفظ للحبة بقائها مهما ارتفعت أغصانها وأورقت جزوعها، وجعل الجماد والنبات فى خدمة الحيوان فيرتع فى الأرض ويأكل من نباتها، وجعل النبات والجماد والحيوان فى خدمة الإنسان، وجعل الإنسان فى خدمة بقية الأكوان، لذلك نجده سبحانه وتعالى قد جعل لكل الكائنات حقوقًا على الإنسان فلو وقفنا فى مقالنا هذا مع حقوق الجماد لوجدنا عجبا، فها هو الإسلام يعلمنا أن نتعامل مع الجماد على أنه كائن مسبح لله، قال تعالى: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» ومعاملة المُسبحين تقضى الرحمة والرفق والمحبة والشفقة وإليكم هذا المثل الرفيع فى رحمته صلى الله عليه وسلم بجزع يابس فعن جابر -رضى الله عنه-: أَنَّ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إلى شَجَرَةٍ أو نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، أو رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ»، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إلى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِى، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِى الَّذِى يُسَكَّنُ. قَالَ: «كَانَتْ تَبْكِى عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا» (رواه البخاري)، كما أعلن النبى حبه لجمادٍ، فعندما تحرك جبلُ أحد فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم بَادَلَهُ النبى صلى الله عليه وسلم حُبًا بحب، فعن أبى هريرة–رضى الله عنه–أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن أُحُدًا جبل يحبنا ونحبه» (رواه مسلم)، وعن أبى حميد -رضى الله عنه- قال: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إذا أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: «هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» (متفق عليه). وعن أنس بن مالك -رضى الله عنه- قال: «صعد النّبى صلى الله عليه وسلم إلى أُحُد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله قال: اثبت أحد، فما عليك إلّا نبى، أو صدّيق، أو شهيدان» (رواه البخاري)، ورجفته هنا فرح وسرور.
بل كان صلى الله عليه وسلم كما كان يفرح لمقدمه حجر فى مكة كان يسلم على النبى صلى الله عليه وسلم فعن جابر بن سمرة أن النبى -صلى الله عليه سلم- قال: «إِنِّى لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّى لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» (رواه مسلم)، وعليه فالإسلام يريد منك أن تكون رفيقًا حتى بالجماد وأذكر أنه إذا دخل أحدُنا مجلسًا لأحد مشايخنا الكرام من علماء الأزهر الشريف فأغلق الباب بعنف فبدلا أن يكون التعنيف لشدة الغلق يكون التعنيف لقلة الفقه فى التعامل مع الجماد، حيث يقول الشيخ معلقًا على هذا المسلك يا بنى رفقًا بالمسبح، نعم رفقًا بالمسبح، هذا هو الإسلام بشرعه المنير فلا يغرنك جهل المتنطعين المتشنجين.
من علماء الأزهر والأوقاف