فى الحومة
قامت الدنيا ولم تقعد لنجاح المرشح زهران ممدانى كأصغر عمدة لمدينة نيويورك فعمره ٣٣ عاما وقد آثار هذا النجاح تساؤلات عدة فهو أمر مثير للعجب والغرابة فهو من اصول هندية ومن مواليد أوغندا بافريقيا وزوجته راما دواجى من اصول سورية وهو مهاجر يؤمن بالاشتراكية ويعتنق الإسلام ويدافع عن حقوق الفقراء والعمال والنقابات فى بلد المال والاعمال ويتعهد بالقبض على رئيس وزراء دولة الكيان الغاصب فى حالة دخوله نيويورك ويدافع عن القضية الفلسطينية ويرفض الحرب على غزة ويراها حرب ابادة ومن يرتكبها هو مجرم حرب فى ولاية بها أكثر من مليونى يهودى فالغريب أن كل تلك الأشياء ضد المزاج الأمريكى وضد ممارسات الرأسمالية المتوحشة وقوة المال ورجال الأعمال الذين يسيطرون على المسار السياسى والانتخابى للولاية بانفاق ملايين الدولارات لنجاح الخصم والإضافة إلى تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب بأنه فى حالة نجاح ممدانى سيحرم الولاية من المخصصات الكونفدرالية للولاية وحث الناخبين على إسقاطه واتهامه بأنه اشتراكى شيوعى سيعمل لصالح الأعداء ويعرض امريكا لمخاطر عديدة واتهامه بعدم الولاء للوطن وبتلك المعطيات خاض ممدانى هذه الانتخابات وهو كمن يسبح عكس التيار وأمام طوفان ضخم من الأموال والعداء من رئيس الدولة وشبكة أصحاب المصالح والنفوذ التى تملك إدارة المشهد السياسى والانتخابى واللوبى الصهيونى صاحب السلطة والمال وحقيقة أن هذا المرشح وفق تلك المعطيات تقل فرصه فى النجاح فهو يخوض معركة انتخابية لو استشار العارفين ببواطن الأمور ولمن يملكون رؤية سياسية لنصحه بترك هذا المضمار فهو يلعب ضد النسق الانتخابى لتلك الولاية وضد جبروت وسلطان رئيس أمريكى يفعل ما يقول دون العودة إلى مؤسسية القرار وعلى اية حال قد خاض ممدانى معركة انتخابية قوية وناجحة ومبهرة بامتياز ويبدو أن هذه الحالة سوف تلقى بظلالها على اشياء كثيرة داخل امريكا وخارجها بل قد تغير كثيرا من أنماط التفكير فى العالم وقد تصنع فارقا ونقول هذا عالم ما بعد نجاح ممدانى لكن السؤال الذى يطرح نفسه كيف فاز وما التأثير الذى سيحدثه ذلك النجاح فى الداخل والخارج يبدو لى أن السر فى هذا التفوق والصعود والتفاف الناخبين حوله هو المصداقية التى ترسخت لدى مواطنى نيويورك وهذا نتيجة الانحياز الواضح لقناعات ومبادئ مختلف عليها فهو لم يتزحزح قيد أنملة عن إيمانه ودفاعه واستماتته لما يؤمن به ويعتقده فهو مهاجر وليس من أصول أمريكية فاصوله هندية وهو مسلم وسط أغلبية مسيحية ويهودية وهو يدافع عن القضية الفلسطينية بقوة وثبات باعتبارها قضية عادلة فى ولاية بها أكثر من مليونى يهودى وهو يتبنى المنهج الاشتراكى للدفاع عن العمال والطلبة وحق السكن وثبات القيمة الإيجارية للعقارات المستأجرة وأن تكون وسائل المواصلات العامة سريعة ومجانية وكل تلك الانحيازات الاشتراكية فى مدينة المال والاعمال وهنا تأكد للناخب أنه أمام شخصية استثنائية فراهن عليها فانضم إلى حملته الانتخابية ١٠٠ ألف متطوع وصاروا شركاء النجاح وتحقق الحلم وانتصرت الارادة لمصداقية المرشح وانحيازاته الثابتة التى لم تكن لحظة ما رمادية اما تأثير تلك الانتخابات على الداخل الأمريكى فتتمثل فى استعادة ثقة المهاجرين والعمال والاقليات بانفسهم والتصدى للعمل العام والمشاركة الفعالة والمطالبة بحقوقهم وهاهى نيويورك مثالا لذلك وستكون هناك اولوية لمطالب الحماية الاجتماعية والمساواة اما فى الخارج فسيبقى نموذج الانحياز للمبادئ هو الخطاب العام لكسب الجماهير والابتعاد عن المناطق الرمادية وتظل المصداقية هى العنوان الأول والأخير مع إنجازات راسخة وعندئذ يتحقق فجر يوم أفضل للانسانية.