مصرع 30 شخص في العرقوب باليمن يكشف جحيم الطرق المميتة بين المحافظات
تحولت الطرق في اليمن إلى كوابيس مفتوحة على الموت، بعدما صار المرور بين المحافظات رحلة محفوفة بالخطر يدفع ثمنها المواطنون بأرواحهم وأموالهم، بينما يظل حادث العرقوب المرعب شاهدا على مأساة إنسانية تتجاوز حدود الحوادث إلى جريمة صمت وإهمال.
لم يكن حادث العرقوبمجرد تصادم عابر على طريق جبلي، بل مأساة مكتملة الأركان كشفت الوجه الحقيقي لمعاناة اليمنيين مع الطرق المقطوعة بين مناطق السيطرة المتنازعة.
عشرات الأرواح احترقت في لحظات بعدما اصطدمت حافلة نقل جماعي بسيارة صغيرة على طريق العرقوب الجبلي بمحافظة أبين، لتشتعل النيران وتلتهم المركبتين بالكامل، في حادث هو الأفظع منذ سنوات.
الحافلة كانت قادمة من المملكة العربية السعودية عبر منفذ الوديعة، وتحمل على متنها اثنين وأربعين راكبا، بعضهم عائد من أداء العمرة. لم ينج من الحادث سوى خمسة أشخاص فقط، بينما نجا سبعة آخرون لأنهم نزلوا قبل الكارثة في محافظة شبوة، لتتحول الحادثة إلى مأساة وطنية هزت وجدان اليمنيين.
التحقيقات الأولية أشارت إلى أن السائق كان يقود بسرعة كبيرة في طريق منحدر وضيق، وحاول تجاوز السيارة الصغيرة فانفجرت الحادثة المروعة، وأدت النيران القوية إلى صعوبة إنقاذ الركاب.
لم تصل فرق الإطفاء والإسعاف إلا بعد فوات الأوان، فيما تكفلت سيارات مدنية بنقل المصابين إلى المستشفيات القريبة، وسط غياب شبه كامل للخدمات الطارئة.
اللجنة الحكومية والتحرك العاجل بعد فاجعة أبين
في أعقاب حادث العرقوب مباشرة، أعلن رئيس مجلس الوزراء الدكتور سالم صالح بن بريك تشكيل لجنة عليا للتحقيق في ملابسات الكارثة، بموجب القرار رقم (28) لعام 2025م، برئاسة وزير النقل وعضوية وزير الأشغال العامة والطرق، وزير الصحة العامة والسكان، محافظ أبين، ورئيس مجلس إدارة صندوق صيانة الطرق والجسور.
كلفت اللجنة بدراسة الحالة الفنية للطريق وتحديد أوجه القصور والمساءلة، على أن تقدم تقريرها إلى مجلس الوزراء خلال سبعة أيام فقط.
كما وجه رئيس الحكومة صندوق صيانة الطرق بإجراء فحص هندسي كامل لطريق العرقوب وجميع الطرق الجبلية الخطيرة، مع وضع خطة عاجلة للصيانة وضمان سلامة حركة النقل.
الحكومة أصدرت أيضا توجيهات عاجلة بتعزيز منظومة الطوارئ والإسعاف في المناطق الجبلية، وتحديث بروتوكولات الاستجابة السريعة للحوادث لتقليل الخسائر البشرية.
وتضمن القرار كذلك صرف مساعدات مالية وإنسانية فورية لأسر المتوفين والمصابين، من خلال وزارة المالية لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
الطرق المقطوعة .. فصول المعاناة تتكرر
حادث العرقوب جاء ليعيد إلى الواجهة أزمة الطرق المغلقة بين المحافظات اليمنية، خصوصا بين مناطق الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، حيث تحولت المسارات البديلة إلى ممرات للموت تحصد الأرواح كل يوم.
رفض الميليشيا فتح طريق حرض الدولي، الذي يعد الأقرب للسفر إلى السعودية، أجبر آلاف المسافرين والمغتربين على سلوك طرق أطول وأكثر خطورة عبر منفذ الوديعة ومسارات صحراوية وعرة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أجور النقل وتكاليف المعيشة بنسب تجاوزت 350 في المائة، في ظل حصار اقتصادي ومعيشي خانق.
في محافظة تعز، ورغم فتح جزئي لمنفذ جولة القصر، ما زالت الأزمة قائمة، فعبور المركبات الكبيرة والشاحنات ما زال محظورا، والطريق البديل عبر الأقروض الجبلي يشهد حوادث متكررة بسبب ضيقه وازدحامه، مما يضاعف المعاناة اليومية للمواطنين.
ألغام وابتزاز ومخاطر يومية على شرايين الموت
لا تتوقف المأساة عند حادث العرقوب وحده، فاليمنيون الذين يسلكون الطرق البديلة يواجهون خطر الألغام المزروعة على خطوط التماس، بالإضافة إلى الابتزاز المستمر في نقاط التفتيش المنتشرة على طول الطرق، سواء التابعة للحوثيين أو لبعض القوات الأخرى، التي تستغل الوضع لفرض جبايات أو احتجاز المسافرين بتهم كيدية، لتكتمل دائرة الألم والمعاناة.
كان حادث العرقوب جرس إنذار مدو كشف هشاشة البنية التحتية وغياب الرقابة وضعف منظومة الطوارئ، ومع كل مأساة جديدة، تتأكد الحاجة إلى تحرك وطني شامل لإنقاذ ما تبقى من أرواح اليمنيين، فالموت على الطرق لم يعد قضاء وقدرا بل نتيجة مباشرة للإهمال والتعنت وإغلاق الشرايين الحيوية في وجه المواطنين.