نبض الكلمات
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية وبداية التصويت لأخطر برلمان في تاريخ مصر ، بدا واضحا أن المشهد الحزبي يسير في اتجاهٍ واحدٍ لا يحتمل التعدد، فالأحزاب التي كانت يوما صوتًا للتاريخ والنضال الوطني تتراجع إلى المقاعد الخلفية، بينما تتقدّم أحزاب بعينها لتتصدر المشهد السياسي والانتخابي وكأنها الوكيل الحصري لإرادة الدولة ..ففي قلب الصورة يبرز أحد الأحزاب، الذي تحوّل خلال سنوات قليلة من كيان حديث العهد إلى قوة شبه مهيمنة تتحكم في تشكيل القوائم، وتوزيع المرشحين، ورسم حدود المنافسة في أغلب المحافظات، المشهد يوحي وكأننا أمام حزب واحد يملك مفاتيح اللعبة الانتخابية، بينما باقي الأحزاب تكتفي بالفرجة أو المشاركة الرمزية لتجميل المشهد الديمقراطي ، أما الأحزاب العريقة ذات التاريخ الطويل، وغيرها من القوى السياسية التي كانت تحمل يوما راية المعارضة الوطنية والمواقف الجريئة، فقد تم تهميشها وإقصاؤها تدريجيًا من دوائر التأثير، لم تعد تجد لها مكاناً في القوائم المغلقة، ولا صوتًا مسموعا في خريطة التحالفات، وكأن تاريخها السياسي العريق قد تم شطبه بقرار غير معلن.
المفارقة أن كثيراً من القيادات الحزبية القديمة ترى أن ما يحدث الآن هو تصفية ناعمة للتعددية السياسية، وتحويل الأحزاب من كيانات فاعلة إلى لافتات شكلية ترفع فقط وقت الانتخابات، لكن الخطر الحقيقي لا يكمن في سيطرة حزب أو اثنين، بل في اختناق المجال السياسي بالكامل ، فعندما يُقصى الصوت المختلف، وتهمّش الأحزاب التاريخية التي كانت تمثل ضمير الوطن، يصبح البرلمان القادم غرفة مغلقة بلا هواء سياسي، وبلا توازنات حقيقية ، إن ما يحدث اليوم يعيدنا إلى لحظة فارقة في تاريخ الحياة السياسية المصرية ، هل نريد تعددية حقيقية تعبّر عن الشعب، أم مشهدًا مهندسا بأحزاب تدار بالريموت؟ وهل ستظل الأحزاب التاريخية متفرجة على الساحة التي صنعتها بعرقها ونضالها؟ أم ستعيد تنظيم صفوفها لتسترد مكانتها في مواجهة من يسعون إلى احتكار السياسة؟..الانتخابات على الأبواب، والمشهد يتحدث بصراحة، أحزاب تصنع على المقاس، وأخرى تدفن بصمت والشارع يراقب ، لكنه لم يعد يصدق بسهولة .
ما يحدث اليوم لا يمكن وصفه إلا بأنه زواج بين السلطة والمال على حساب السياسة والشارع، فالأحزاب التي تفترض أنها مؤسسات تمثل الناس، تحولت إلى شركات انتخابية تدار وفق ميزانيات وحسابات بنكية، لا وفق مبادئ أو برامج وطنية، أسماء تُفرض على القوائم بقرارات مغلقة، وأخرى تُقصى لأنها لا تملك المال أو العلاقات، وكأن الترشح للبرلمان أصبح صفقة مدفوعة الثمن، لا استحقاقًا شعبيًا ، والخطير في هذا النموذج أنه يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي، ويحول البرلمان إلى نادٍ للنخبة المالية، لا ساحة تعبير عن المواطن العادي ده بصراحه شديده ، فالمرشح الذي يدخل البرلمان بفضل المال، لن يعرف قيمة صوت الناخب البسيط، ولن يحمل هموم الناس بقدر ما يحمل دفاتر حساباته فالمال السياسي اليوم هو اللاعب الأخطر، والأكثر قدرة على إعادة تشكيل الخريطة البرلمانية ، والمشهد يبدو وكأننا أمام إعادة إنتاج لنظام سياسي مغلق، تُحسم فيه النتائج قبل أن تفتح صناديق الاقتراع ، في ظل هذا الواقع، تُطرح أسئلة مشروعة في الشارع المصري:هل ما يحدث هو انتخابات فعلًا، أم توزيع منظم للمقاعد بين أصحاب النفوذ المالي والسياسي؟ وهل يمكن لدولة تطمح إلى بناء حياة سياسية حقيقية أن تسمح بأن تُدار العملية الانتخابية بهذه الطريقة التي تُقصي الكفاءات وتُكرّس للمال والولاء؟ ، لقد ولدت بعض الأحزاب في ظروف استثنائية، لكنها اليوم تلتهم المجال العام كله، لتترك خلفها فراغًا سياسيا خطيرا ، وشارعا فقد الثقة في أي حديث عن الديمقراطية أو التمثيل الشعبي ، إن الخطر الحقيقي لا يكمن في حزبٍ يملك المال، بل في نظام انتخابي يسمح للمال أن يشتري السياسة، وللقوائم المغلقة أن تغلق الباب في وجه إرادة الناس ، فهل نعيد الاعتبار للسياسة كقيمة؟ أم نترك المال يكتب مستقبل البرلمان... ومصير الوطن؟.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]