العنوان وحده يحكي الكبرياء، لكن الحقيقة أعمق، مصر وطن السلام ليست مجرد دولة موجودة على الخريطة، بل هي الكيان الذي عرف قيمته منذ الأزل، وصنع التاريخ بأفعاله وشجاعة شعبه ووعيه المستمر.
في هذا المقال أحاول أن أرصد كيف بدأت مصر أولا، وكيف جعلت التاريخ يمر بها، وكيف تعيد اليوم تأكيد مكانتها بين الأمم بكل فخر وثبات.
احتفالية مصر وطن السلام لم تكن مجرد عرض فني، بل كانت رسالة وطنية تؤكد أن مصر تعرف قيمتها وتفرض احترامها على العالم، وتستعيد من خلالها روحها التي لا تنكسر ولا تشترى.
مصر وطن السلام، هذه العبارة لم تعد مجرد شعار عابر يرفع في المناسبات، بل أصبحت خلاصة وعي أمة تعرف تماما أين تقف وإلى أين تسير.
فالمشهد الذي تابعناه في الاحتفالية الأخيرة لم يكن مجرد حفل بروتوكولي، بل لوحة وطنية كاملة رسمتها مصر لنفسها بألوان من التاريخ والحاضر، كأنها تقول لكل من يشاهدها، أنا هنا، ثابتة منذ آلاف السنين، لا أتغير إلا لأزداد قوة ووضوحا.
حين تنطلق أول نغمة من موسيقى بليغ حمدي، يلتفت المصري تلقائيا إلى قلبه قبل أذنه، لأنه يعلم أن تلك الألحان ليست مجرد موسيقى بل ذاكرة وطنية.
وحين تفتتح الاحتفالية بآية من القرآن الكريم تتحدث عن القوة والعزة والاستعداد، يفهم كل مصري أن الرسالة ليست موجهة للعدو فقط، بل موجهة أولا للمواطن: تذكر أنك من شعب لا يركع ولا يخضع.
في كل مشهد من مشاهد احتفالية مصر وطن السلام، كانت القاهرة ترسل للعالم خطابا بلغة الكبرياء.
لم تكن الكلمات كافية، فتكفلت الصور بأن تحكي القصة، من البيجامة الكاستور على لسان إسعاد يونس، إلى الأغاني التي احتضنت الأشقاء العرب كأنها أذرع نيل تمتد من الشمال إلى الجنوب.
كانت الرسالة واضحة لا لبس فيها، لا عربي غريب في مصر، ولا غريب إلا من يحاول المساس بكرامتها أو النيل من أمنها.
لقد فهمنا جميعا أن تلك الاحتفالية لم تكن مجرد عرض فني بل كانت فصلا جديدا من سيرة مصر وطن السلام، السيرة التي تكتب منذ فجر التاريخ، عندما كانت مصر ملجأ للأنبياء ومأمنا لكل من ضاقت به الأرض.
ومثلما كانت مصر في الماضي تطفئ نيران الحروب حولها بالحكمة، ها هي اليوم ترفع راية السلام من موقع القوة لا من موقع الضعف، وتقول للعالم إن السلام ليس استسلاما، بل فعل إرادة يختاره الأقوياء.
وما بين التاريخ والحاضر، يتجدد السؤال الأبدي، ما الذي يجعل مصر مختلفة؟ الإجابة لا تقاس بمساحة الأرض ولا بعدد السكان، بل بما يملكه هذا الشعب من وعي متجذر في أعماقه، وبتلك العلاقة الغامضة بين المصري وتاريخه، علاقة لا تنفصم مهما تبدلت الظروف.
المصري لا يحتاج إلى من يذكره بعظمة بلده، لكنه يحتاج إلى من يعيد إليه الثقة بأنه ينتمي إلى وطن يعرف قيمته ويعرف كيف يفرض احترامه على العالم.
حين ظهر فيلم "حراس الرمال"، لم يكن مجرد توثيق لبطولات أهل سيناء، بل تأكيد على أن كل ذرة تراب في هذه الأرض تعرف أصحابها وتحميهم كما يحمونها.
مصر التي خاضت معارك وجود عبر العصور لا يمكن أن تفاجأ بالتحديات الجديدة، لأنها ببساطة اعتادت أن تولد من وسط الرماد كل مرة أكثر صلابة من ذي قبل.
إنني كمواطن مصري، حين شاهدت تلك الاحتفالية، شعرت أن كل رسالة فيها تمس قلبي قبل عقلي.
هذه ليست دعاية ولا تلميعا، بل حقيقة نعيشها كل يوم حين نرى كيف تدير الدولة معاركها بالوعي لا بالضجيج، وبالعمل لا بالشعارات.
مصر لا تنتظر تصفيق أحد، لكنها تجبر الجميع على احترامها، حتى من لا يريد أن يعترف بذلك.
المفارقة أن مصر وطن السلام تخيف من لا يريدون لها السلام، لأن السلام الحقيقي يحتاج إلى قوة تحميه، ومصر لم تفقد يوما قدرتها على الحماية.
من أراد أن يعرف سر هذا البلد فليقرأ تاريخه، فسيجد فيه الإجابة على كل الأسئلة.
مصر التي واجهت الطوفان والغزو والانقسام عبر آلاف السنين، لم تكتف بالنجاة، بل كانت دائما هي التي تعيد للعالم توازنه حين يختل.
من يشاهد اليوم وحدة الشعب خلف جيشه ودولته، يدرك أن المصريين تعلموا من الماضي أن الكلمة الواحدة أقوى من ألف سلاح.
وأن طريق المستقبل لا يفتح إلا حين نعرف من نحن .. ومن نحن؟ نحن أبناء حضارة لا تموت، وجذور تمتد في الأرض حتى تكاد تلمس قلب التاريخ.
إن احترام العالم لمصر لم يأت من فراغ، بل من تراكمات الوعي والعمل والإيمان بالذات.
من أجيال قدمت دمها وعرقها لتبقى هذه الأرض آمنة، ومن قادة فهموا أن الكرامة الوطنية لا تقاس بالتصريحات، بل بالفعل الذي يفرض نفسه.
واليوم، ونحن نرى كيف تدار معارك الدبلوماسية والعسكرية والفكرية معا، ندرك أن مصر تعرف قدرها وتعرف كيف تضع الآخرين أمام حقيقتهم.
مصر وطن السلام ليست مجرد عبارة تقال في حفلة أو شعار على لافتة، بل هي حالة وجودية يعيشها كل مصري في تفاصيل يومه.
هي فكرة أن نعرف من نحن، وأن ندافع عن هذا الانتماء كل يوم بالفعل لا بالكلام.
سلامنا ليس ضعفا، بل هو أعظم مظاهر قوتنا، وقوتنا ليست في السلاح فقط، بل في إيماننا بأننا شعب يستحق الحياة والاحترام، ومن لا يرى ذلك اليوم، سيتعلمه غدا حين يدرك أن مصر لا تختصر في حدث، بل هي التاريخ كله وهو ينطق من جديد.