مسار القهوة
مع بداية كل عام دراسى يولد الترقب، ترقب من جانبين لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر؛ ترقب الطلاب لحياة جديدة، حيث تمثل السنة الأولى فى الجامعة تجربة خاصة يعيشها الطالب المستجد، حياة جديدة فى بيئة تعليمية جديدة تختلف تماما عن المدرسة، هناك الغربة والطموح، والحيرة، والفرص، والمخاوف، والآمال؛ فكيف يدير طالب السنة الأولى حياته الجديدة؟ وكيف يتمكن من التكيف مع هذه المرحلة والخروج بأكبر قدر من المهارات والمعرفة؟
كذلك يولد مع بداية كل عام دراسى ترقب من نوع آخر؛ ترقب الأستاذ لطلابه، فمع كل دفعة دراسية بالجامعة يفتح الأستاذ فى دفتره صفحة جديدة بيضاء، سطورها الطلاب، يكتب فيها كلمات تحمل فى طياتها دروسا ونصائح وذكريات.
ومن هذا المنطلق حرصت على مدى سنوات عديدة ألا أكون سببًا فى أن يكره طلابى الدراسة، دائمًا أخبرهم أنّهم هم الأساس، لا أعاملهم كأطفال، لا أجعل همهم الدرجات فقط، لا أرهقهم بأعمال غير مجدية، أسمح لهم بإدخال الشاى والقهوة والطعام إلى قاعة المحاضرات، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على نظافة القاعة، أمنحهم دائمًا عشر دقائق آخر المحاضرة لأستمع إليهم، لا أمانع فى أن أجلس معهم فى المقهى نتجاذب أطراف الحديث، ونناقش مشكلاتهم وموضوعاتهم المهمة جدًا بالنسبة لى، أعاملهم كأصدقاء لى قبل أن أكون أستاذهم، وأحرص على توجيه النصح لهم دون أمر أو توجيه مباشر.
أُخبرهم بأهمية الحضور وفعاليته، فبالطبع ليسوا طلابًا مثاليين فى الحضور، ولكن لا تتغيب لأنك لم تنته من شرب قهوتك اللذيذة مثلًا! أو لأن الجوّ فى الحديقة رائع!
أنصحهم دائمًا بتجنب المحبطين، ففى الدفعة الجديدة تجد بشكل أو بآخر مَنْ يفقدك الرغبة فى الحياة، وأؤكد لهم دائمًا «احذروا القيل والقال»، فطبيعة علاقات الطلاب والطالبات فى الجامعة متقلبة، قد تتوطد الصداقة بينهم فى بعض الأحيان، وقد لا يحدث ذلك، وهنا قد يكون أحدهم ضحية الوقيعة؛ فالوقيعة فى الحياة الجامعية قد تدفع أحد الطالب إلى ملازمة منزله خوفا من شدة الاكتئاب!
كما أحثهم على ألا يعتمدوا على الكلمة المنقولة شفهيًا: «يقول الدكتور كذا، آخر موعد لتسليم التكليف كذا، المحاضرة ألغيت بناءً على مكالمة هاتفية بين طالبتين، اتصلت إحداهما بالأستاذة!» فالكلمة المنقولة شفهيًا تتعرض للتحريف، بقصد أو بدون قصد، والاعتماد عليها مصيبة.
كما أرشدهم إلى عدم الاكتفاء بالمراجع التى يقدمها دكتور المادة، أو شرحه خلال المحاضرات، فى حالة تسنى لهم القراءة والاستزادة، وألا يبخسوا حق أى خدمة صغيرة يقدمونها، حتى لو كانت رابطًا لموقع مفيد، وألا تأخذهم الأنانية وحب التملك بعيدًا.
وفى النهاية، فبعد ترقب دام أكثر من ثلاثة أشهر خلال العطلة الصيفية، التقيت بالفرقة الأولى بقسم الإعلام، وقد باء الترقب بأجمل عائلة كبيرة من الطلاب والأصدقاء: مصطفى وشعبان ومحمود وزياد وحنين وكريمة ومريم وهنا، وغيرهم من الصفحات البيضاء والقلوب النقية، وكلنا طموح وتشوق لتدوين أصدق الذكريات.
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب - جامعة المنصورة