رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

في لحظات التحول الحاسمة التي تمر بها القضايا الكبرى، لا يكون التهديد فقط في ساحة المعركة، بل في طريقة فهم الناس لما يجري. وبينما يخوض الفلسطينيون في غزة حربًا وجودية، شهدنا تصاعدًا لخطاب التخوين ضد المقاومة، ليس فقط من خصومها الإقليميين أو الإعلام المعادي، بل من فئات داخلية كان يُفترض بها أن تكون جزءًا من الحاضنة الشعبية أو النخبة الفكرية.

وهذه الظاهرة تطرح سؤالًا محوريًا: لماذا يتحول جزء من الرأي العام، أو حتى من نخب المجتمعات العربية، إلى تخوين المقاومة، في وقت هي تدفع أثمانًا جسيمة، وتحقق إنجازات ملموسة على الأرض وفي الرأي العام الدولي؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من تفكيك هذه الظاهرة من زاوية أبعادها النفسية والسياسية والإعلامية.

 

أولًا: التخوين كأداة في الحرب النفسية

ثقافة التخوين ليست جديدة على المنطقة العربية. فعبر التاريخ، استخدمها الإحتلال والمستعمرون لضرب حركات التحرر من الداخل، كما ظهرت في فترات الإنقسام السياسي الحاد داخل المجتمعات العربية. ففي الحالة الفلسطينية، يصبح التخوين أداة مزدوجة:
يستخدمها الاحتلال لتفتيت الصف الداخلي،
وتتلقفها أطراف عربية أو داخلية، أحيانًا عن وعي وأحيانًا أخرى عن جهل أو انفعال أو اختلاف أيديولوجي.  وهذه الثقافة تزرع بذور الشك في قلوب الجمهور، وتُضعف ثقة الناس في المقاومة التي تدفع ثمنا غاليا بالنيابة عن الأمة، من شهداء ودمار وتهجير، لتحرير الأرض والكرامة. ولا يقتصر التخوين على نقد الأداء، بل يتجاوز ذلك إلى اتهام مباشر بالعمالة والخيانة، مما يهدد النسيج الاجتماعي الفلسطيني بل والعربي ككل، ويفتح الباب أمام تصدع الحاضنة الشعبية للمقاومة.

 

ثانيًا: لماذا يتجدد خطاب التخوين في لحظات الإنجاز؟

المفارقة أن خطاب التخوين يشتد في الأوقات التي تحقق فيها المقاومة اختراقات نوعية، سواء على الأرض أو في الرأي العام الدولي. عملية 7 أكتوبر 2023 كانت نقطة تحول، إذ رغم الخسائر الفادحة (مقارنة بالتوقعات المبنية علي تاريخ المواجهات السابقة) استطاعت المقاومة أن تهز الأمن الإسرائيلي وتغير معادلة الصراع. وهذا الإنجاز، بدلاً من أن يكون مصدر فخر ودعم، فقد تم استغلاله من بعض الأطراف لتشويه صورة المقاومة وتحويلها إلى "مغامرة سياسية غير محسوبة"، أو خطأ استراتيجي. والهدف واضح: إعادة ضبط توجه الجمهور، وتحجيم تأثير المقاومة، وإعادة إنتاج سردية الهزيمة والتشاؤم.

 

ثالثًا: فخ الخلط بين المقاومة والإرهاب

ينبع جزء كبير من خطاب التخوين من خلط متعمد أو غير مدروس بين المقاومة الفلسطينية، التي تملك شرعية وطنية وشعبية، وبين الحركات المتطرفة أو الإرهابية التي لا تمثل مشروعًا تحرريًا واضحًا بل أدت دورا سلبيا في بعض الملفات أقرب إلي دور الطابور الخامس في بعض الحالات نتيجة اختراقات حركية في قمم الهرم التنظيمي لتلك الحركات.

هذا الخلط له أبعاد طائفية وسياسية، ويفتح المجال أمام تبني مواقف رافضة لأي تعاون أو تحالف مع حركات مثل إيران أو حزب الله، تحت شعار "مقاومة = إرهاب". وهذا تبرير سطحي وغير موضوعي، إذ من المهم التمييز بين مقاومة شعب تحت الاحتلال تسعى لاستعادة أرضه وكرامته، وبين حركات تطرف ذات أجندات لا علاقة لها بتحرير الأرض، حيث أن الخلط بينهما يخدم أجندات معادية تحاول تهميش المقاومة وتشويه صورتها في الداخل والخارج وعزلها عن محيطها.

 

رابعًا: التحالفات الإقليمية.. بين الاستراتيجية والمزايدات

الاتهام بالخيانة يُستخدم أحيانًا لرفض العلاقة بين المقاومة وبين إيران أو حزب الله، وهو رفض يختصر العلاقات الاستراتيجية إلى مجرد تبعية مطلقة، في حين أن الواقع يوضح أن الدعم الإيراني، سواء العسكري أو التقني، كان من العوامل التي ساعدت الفصائل الفلسطينية على تطوير قدراتها في مواجهة الاحتلال، خصوصًا في ظل عزلة عربية شبه كاملة نتيجة الخلافات الشديدة بين الأنظمةالعربة وبين الحركات الدينية. ولا شك أن حزب الله بدوره، يساهم في استنزاف الكيان لصالح غزة. وتعد هذه العلاقات تحالفات تكتيكية وليست أيديوجلوجية، ولم تمنع المقاومة من إظهار مواقف مستقلة في ملفات مثل الأزمة السورية.

 

خامسًا: فهم الاختراقات الأمنية .. بين الواقع والمبالغة

لا توجد منظومة مقاومة محصنة تمامًا من الاختراقات الأمنية والاستخباراتية، لأنها هي جزء من أي صراع معقد وطويل الأمد. ولكن التعميم بأن هذه الاختراقات تعني وجود خيانة مؤسسية، هو تقييم خاطئ ومضر، يكرس الانقسام ويهدم الثقة. ويجب النظر إلى هذه الأحداث كأزمات قابلة للمعالجة، ضمن حرب استخباراتية شرسة تشمل جميع الأطراف، بما فيها الدول العربية والإسلامية كما ظهر في إيران، بل يعاني الكيان ذاته من اختراقات أمنية واسعة.

 

سادسًا: الإعلام الحديث... أداة مزدوجة في صناعة الوعي أو التخوين

الوسائل الرقمية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة جديدة لصناعة الصراع على الوعي. حيث تُدار حملات إلكترونية ممنهجة لبث الشكوك والاتهامات، باستخدام صفحات مشبوهة وتحليلات مشوهة، تصنع سرديات معاكسة لأداء المقاومة، وتستغل حالة الإحباط أو التوتر داخل المجتمعات. وتحتاج هذه الأدوات الإعلامية إلى قراءة نقدية واعية، لأن عدم التمييز بين النقد البناء والتخوين ينزلق بالمجتمع إلى فخ التمزق الداخلي.


وفي نهاية المطاف، فإن معركة الوعي الجماهيري لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية نفسها. فالعدو قد لا يحتاج إلى هزيمة المقاومة ميدانيًا، إذا نجح في إقناع الجمهور أن مقاومتهم عبء، أو أنها منزوعة الشرعية الوطنية. ونحن بحاجة إلى خطاب وطني واعٍ يفرق بين النقد الموضوعي والاختلاف السياسي، وبين اتهام الخيانة الذي ينهك روح المقاومة ويهدم تماسكها.

من يدفع الثمن بالدم لا ينبغي أن نطعنه بخنجر التخوين، بل يستحق الدعم النقدي البناء والوقوف بجانبه حتى نصل إلى التحرير والكرامة مع حوار بناء يؤدي إلي تصحيح أي أخطاء أو جنوح أو مراهقات سياسية أو حركية من خلال سياسة النفس الطويل التي تتميز بها الطرف المصري الذي يميل بقدر ما إلي الموازنة بين اعتبارات المصلحة العربية وبين اعتبارات المصلحة الوطنية في تأمين الجبهة الداخلية من مراهقات وتجاوزات بعض الحركات هنا أو هناك ... وهي موازنة مبنية علي إدراك بإستحالة الفصل بين المصلحة العربية والمصلحة الوطنية ... وهو الفصل الذي يسقط بسببه البعض في فخ تخوين المقاومة والذي هو امتداد ناعم للحرب النفسية التي يمارسها الكيان الصهيوني ... وعلاج هذه الظاهرة يتطلب وعيًا نقديًا بعيدًا عن العواطف والانفعالات.

سياسي ونقابي 
ومستشار سابق بالحكومة المصرية