أرادت بعض الدول أن تلعب دورًا إقليميًا لا يتناسب مع حجمها الطبيعى فى إقليم مُلتهب قابل للانفجار بين عشية وضحاها، فلجأت إلى استقطاب حركة حماس تحت سيادتها، باعتبارها الشوكة المغروسة فى قلب الكيان المحتل، ظنًا منها أنها بذلك امتلكت ورقة هامة على طاولة المفاوضات، تسمح لها بالظهور كلاعب فعًّال فى عملية السلام، إلى أن جاءت الحقيقة صادمة كاشفة باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى للحركة فى طهران، يوليو 2024، ثم محاولة اغتيال وفد حماس فى الدوحة أثناء اجتماع مناقشة مقترح أمريكى لوقف إطلاق النار سبتمبر 2025، حدث ذلك وخطة إبادة الشعب الفلسطينى وتهجيره لم تتوقف لحظة واحد.
خلال تلك الفترة من الإبادة والتجويع والدمار، ومحاولة البعض مجازًا السطو على ريادة مصر ودورها الإقليمى، مارس آخرون استراتيجية «القطة الميتة» ضد القاهرة، وهى استراتيجية إلقاء اللوم على أحد أطراف الصراع وتحميله مسئولية التعنت والفشل، وكان وزير الخارجية الأمريكى الأسبق جيمس بيكر«1989-1992» أول من صاغ تلك السياسة، خلال جهوده لإقناع السوريين والإسرائيليين والفلسطينيين بحضور مؤتمر مدريد للسلام 1991، وبدأ يهدد كل طرف بإلقاء «القطة الميتة» على عتبة بابه وتحميله مسئولية تعثر المفاوضات.
فجاء الهجوم على مصر بإتهامها كذبًا بغلق معبر رفح والمساهمة فى حصار قطاع غزة وتجويعه وما يعانيه من وضع كارثى منذ أكتوبر 2023، وهو ما ردت عليه الدوائر الرسمية وقتها بأن معبر رفح لم يغلق من الجانب المصرى مطلقًا.
لم يكن الرد المصرى كافيًا لهؤلاء وازداد سُعار حملات التشهير والطعن والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وزاد الضغط أيضًا، فأعلن ائتلاف من نقابات وحركات تضامن ومؤسسات دولية إطلاق مبادرة المسيرة العالمية إلى غزة سيرًا على الأقدام، والتوحد مع «قافلة الصمود لكسر حصار غزة» القادمة برًا من الجزائر وتونس، وصولًا إلى مدينة العريش، ومنها إلى معبر رفح!
حاولت تلك الحملات المسعورة تشويه الدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية، والتقليل عمدًا من شأن وحجم المساعدات المصرية للقطاع، وكأن مصر المتهم الأول فى عملية الإبادة والتجويع، وليست إسرائيل والفيتو الأمريكى، أو التبعات غير المدروسة للفخ الذى وقعت فيه حماس فى السابع من أكتوبر!.. (للتنويه نحن مع مقاومة المحتل قلبًا وقالبًا).
وإمعانًا فى ممارسة سياسة «القطة الميتة» وممارسة المزيد من الضغط، شاهدنا ما يُعرف إعلاميًا بحصار السفارات، فتعرض عدد من السفارات المصرية لاعتداءات بل ومحاولة إغلاق، وتناسى هؤلاء جميعًا أنهم يخدمون أجندة إسرائيلية واضحة المعالم بإلقاء مسئولية ما ارتكبته من مجازر على طرف آخر، لم ينتبه هؤلاء عمدًا أو جهلًا، إلى اتهام إسرائيل لمصر بأنها المسئولة عن إغلاق معبر رفح، على لسان وزير خارجيتها «يسرائيل كاتس» مايو 2024 عندما أعلن أن مفتاح معبر رفح فى أيدى المصريين، فى محاولة للتنصل من جرائم الإبادة والدمار فى غزة!.. وهو ما أكده أيضًا مجرم الحرب «نتنياهو« رئيس الوزراء الإسرائيلى عندما اتهم مصر باحتجاز سكان غزة كراهن، وأن القاهرة ترفض خروجهم من غزة عبر معبر رفح إلى جهة أخرى!
فى النهاية.. لم ترضخ مصر لتلك السياسات والضغوط والحملات المسعورة، ووقفت القاهرة صامدة أمام مخطط التهجير، ورفضت بشكل قاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطينى والبقاء على أرضه، وقفت مصر ثابتة أمام ممارسات عفنة بإلقاء «القطط الميتة» على عتبتها، انتصرت مصر وتم الإعلان عن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار من مدينة شرم الشيخ الخميس الماضى لتعود الروح إلى غزة، ولكل مصرى وعربى، لكل إنسان يدرك ماهية الإنسانية ويرفض تلك الجرائم الصهيونية.
أخيرًا: هل ستنقض إسرائيل هذا الاتفاق وتعود إلى جرائمها؟ الإجابة الأقرب نعم.
حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.