يظل شهر أكتوبر دائما علامة مضيئة في وجدان المصريين، يحمل في طياته مزيجا من الدماء والأمل، ومن البطولات والتحديات، ومن الإصرار على أن تبقى مصر دائما في المقدمة، قوية بشعبها، ثابتة بمبادئها، راسخة بجذورها التي تمتد في عمق التاريخ.
لكن أكتوبر 2025 لم يكن شهرا عاديا، بل جاء مختلفا بكل المقاييس، جمع بين وجع الحروب وآمال السلام، بين حماسة الملاعب وروح التحدي، بين قرارات وطنية تفتح آفاقا جديدة للمستقبل، وبين دروس التاريخ التي تتجدد كل عام لتذكرنا بأن حب الوطن ليس شعارا، بل مسؤولية وعمل وإخلاص.
أكتب هذه الكلمات من موقع المواطن الذي عاش هذه اللحظات بوجدانه كله، ومن قلب امتلأ حبا لمصر منذ طفولته، ومن مدرسة علمتني معنى الوفاء والانتماء، مدرسة الوفد، التي زرعت فينا قيمة التراب المصري، وعلمتنا أن الوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل كيان نحميه ونسعى من أجله كل يوم، هناك تعلمت أن الوطنية ليست كلاما يقال، بل مواقف تتخذ، وأن الانتماء الحقيقي هو أن تشعر بمسؤوليتك تجاه بلدك في كل لحظة.
أكتوبر هذا العام حمل معه حدثا سياسيا له دلالته العميقة، حين صدرت الجريدة الرسمية بقرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 575 لسنة 2025، بتعيين مائة عضو في مجلس الشيوخ، كان من بينهم الدكتور عبدالسند يمامة، رئيس حزب الوفد، وثلاثة من أعضاء الهيئة العليا للحزب: الدكتور خالد قنديل، وعباس حزين، والمهندس ياسر قورة.
قد يراه البعض قرارا إداريا، لكنه بالنسبة لي كان رسالة تؤكد أن مصر تعرف جيدا قيمة الكفاءات والخبرات الوطنية، وأن الدولة لا تزال تفتح أبوابها أمام العقول المخلصة التي تعمل لصالح الوطن دون ضجيج.
تعيين الدكتور عبدالسند يمامة لم يكن مجرد تكريم، بل اعتراف بدور وطني أصيل، وبفكر نابع من مدرسة الوفد التي آمنت دائما بأن السياسة ليست بحثا عن منصب، بل التزام بقضية.
هذا الرجل يجسد روح الوفد الحقيقية، ويضيف للمشهد السياسي صوتا عاقلا راشدا، مؤمنا بأن مصر فوق الجميع، وأن المصلحة الوطنية هي البوصلة التي يجب أن توجه كل قرار وكل خطوة.
وفي الوقت الذي كانت فيه السياسة تكتب سطرا جديدا من المشاركة الوطنية، كانت الدبلوماسية المصرية تثبت من جديد قدرتها على أن تكون ضمير المنطقة.
ففي الأسبوع الأول من أكتوبر، رعت مصر اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، بمشاركة قطر وتركيا، وتوافق دولي واسع.
لم تكن هذه مجرد اتفاقية، بل لحظة إنسانية خالدة، أثبتت أن مصر قادرة على أن توقف نزيف الدم، وأن تفرض صوت العقل وسط ضجيج البنادق.
هذه اللحظة جعلتني أزداد إيمانا بأن الوقوف خلف القيادة الوطنية ليس خيارا، بل واجبا أخلاقيا وتاريخيا، لأن مصر حين تتكلم، تتكلم بلسان الإنسانية كلها.
وقف إطلاق النار في غزة كان بداية لمعركة أخرى، معركة من أجل الحياة، من أجل أن يصل الغذاء والدواء والوقود للمدنيين، وأن تفتح المعابر أمام الأمل، وأن تبدأ مرحلة إعادة الإعمار بما يحفظ الكرامة والحقوق، هنا يظهر الدور الحقيقي للدولة المصرية، ليس فقط كوسيط سياسي، بل كقلب نابض بالرحمة والمسؤولية.
وفي وسط تلك الأحداث التي تمس الوجدان الإنساني، جاءت ذكرى أخرى تحمل رمزية كبيرة، ذكرى رحلة كريستوفر كولومبوس في 12 أكتوبر 1492، حين اكتشف العالم الجديد.
قد يبدو هذا الحدث بعيدا عن واقعنا، لكنه يعلمنا درسا خالدا في الشجاعة والسعي نحو المجهول، في الإصرار على المعرفة والمغامرة، وأنا أرى أن ما تفعله مصر اليوم من سعي متواصل للسلام، يشبه تلك الرحلة في معانيها العميقة؛ فكل اتفاق وكل مبادرة وكل جهد دبلوماسي هو خطوة في بحر المجهول، تحتاج إلى شجاعة وصبر وإيمان بالمستقبل.
وفي نفس الشهر، كانت مدينة الإسماعيلية على موعد مع حدث رياضي يعبر عن وجه آخر من وجوه مصر الجميلة، حيث انطلقت بطولة كأس الأمم الإفريقية لهوكي الرجال والسيدات 2025.
هناك على أرض القنال، علت الأعلام وارتفعت الهتافات، واجتمع أبناء القارة في روح من التنافس النبيل، لم تكن الرياضة مجرد لعبة، بل كانت رمزا للوحدة والانتماء، ودليلا على قدرة مصر على التنظيم والإبداع والإبهار.
وأنا أؤمن أن الرياضة، مثل السياسة والسلام، تعلمنا الانضباط والعمل الجماعي والإصرار على النجاح، فهي وجه آخر للوطنية التي تبنى بالجهد والإخلاص.
كل هذه المشاهد، من قرارات السياسة إلى مواقف الإنسانية إلى انتصارات الرياضة، جعلتني أرى أكتوبر هذا العام كلوحة وطنية كبيرة، تتداخل فيها الألوان بين الحزن والأمل، بين القوة والحنين، بين التاريخ والمستقبل، ففيها معنى واضح: أن الوطن لا يبنى بالكلمات، بل بالفعل، وأن حب مصر لا يقاس بما نقوله، بل بما نقدمه من عطاء.
لقد تعلمت في مدرسة الوفد منذ نعومة أظافري أن حب الوطن هو شرف لا يشترى، وأن تراب مصر أغلى من كل كنوز الدنيا، وأن الدم المصري هو خط أحمر لا يمس.
تعلمت أن الوطنية ليست انفعالا لحظة أزمة، بل سلوك يومي، وأن الدفاع عن الكرامة لا يحتاج إلى إذن من أحد، لأنه واجب مقدس في دم كل مصري.
وأنا اليوم، بعد كل ما شهدته في أكتوبر 2025، أزداد يقينا بأن مصر، بقيادتها الواعية وشعبها الصبور، قادرة على أن تواجه التحديات كلها، وأن تبقى منارة أمل في زمن مضطرب.
فالوطن ليس جغرافيا، بل روح تسكننا جميعا، ومسؤولية نتقاسمها كل يوم، والوفاء له يعني أن نعمل بصمت، ونؤمن أن الغد لا يصنعه إلا من يحبون ترابه بصدق.
إن أكتوبر هذا العام لم يكن مجرد شهر في التقويم، بل تجربة حياة كاملة، أكدت لي أن الأوطان لا تعيش إلا بحب أبنائها، وأن من تربى في مدرسة الوفد مثلي، لا يمكن إلا أن يضع مصلحة الوطن أولا، في كل فكرة، وكل موقف، وكل كلمة تكتب بحبر القلب قبل القلم.