اتجـــــاه
الجدل حول خطة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب فى قطاع غزة، وإن كان جدلا طبيعيا غير أنه تظل المبادرة- فى حد ذاتها- فرصة تاريخية، لن تتكرر، مع ظروف المنطقة الساخنة على الدوام، ومن ثم اختراق المشكلة أفضل من الصراخ، والقول إنها خطة استسلام، أن يكون هناك صمود عربى، نحو تحسين نتائج ما يجرى من مفاوضات، لأن تنتهى بالتزامات، أولا: تضمن للقضية الفلسطينية الحياة، وثانيا: تجبر إسرائيل على كامل الانسحاب، من كافة الأراضى المحتلة، وأظن أن رغبة الرئيس«ترامب»، فى مكافأة «نوبل»، مقابل السلام فى الشرق الأوسط، تجعله أكثر تساهلا تجاه «حماس»، فى مسألة السلطة والسلاح.
** ومع الترجيحات المثارة، حول ما إذا كانت الخطة، سلاما أم استسلاما، إنها وجهات نظر كل فريق، لا تقلل من إيجابية الخطة ولا تُهَوِن من سلبياتها، ذلك أنه من غير الواقعى، أن تأتى عناصر الخطة الـ21، مكافأة كاملة لإسرائيل، كما يروج فريق من الرافضة، أو انحيازا لـ«حماس»، فى نظر المتشددين هنا وعند الإسرائيليين، لكن الموضوعية تفرض التعامل مع خطة الرجل، من زوايا عدة، أكثرها إلحاحا، مسألة إنهاء حالة الحرب فى المنطقة، مقابل تبادل الأسرى ورهائن الـ7 من أكتوبر، ثم الانسحاب من غزة، تمهيدا لتحسن ظروف المعيشة، وإعادة الإعمار هناك، بخلاف ما يمكن حصره من مكاسب، تفواق ما عداها من خسائر، لأى من الطرفين.. «حماس» وإسرائيل.
** بحسابات خطة «ترامب»، وإن كانت لا تأتى بسلام كامل، ولا حتى بأى من شبهات الاستسلام، لهذا الطرف أو ذاك، غير أنها توفر من المكاسب، ما يشجع على قبول أفضل ما فيها من اقتراحات، ثم العمل على تعظيم الفائدة فى بقيتها، وظنى أن حركة «حماس»، كانت من الذكاء أن قبلت بالتسوية، لتستفيد من الزخم الدولى، بالاعتراف الجارف بدولة فلسطين، وبالتالى تكتسب اعترافا سياسيا- ولو مؤقتا- إلى جانب مساحة نفوذ، فى أى دور تفاوضى فى مرحلة الانتقال، تستعيد به شرعيتها فى غزة، يظهر حرصا منها، على تحسين معيشة الناس، وإعادة الآلاف من الأسرى، من دون أن تقبل بحكم القطاع، من خارج الكوادر الفلسطينية.
** وبقبول «حماس» خطة «ترامب»، تفادت الانقلاب الدولى على وجودها أصلا، وبالتالى نجحت فى إحراج إسرائيل، التى بادرت بقبولها، ولو تجرعتها بـ«السِم»، حتى تنتشل نفسها من العزلة، وتخفيف حملات الضغط الدولى، التى تتهمها بارتكاب الفظائع فى غزة، والأهم عندها، إظهار أنها دولة تسعى للحل، وليست مجرد قوة احتلال، وربما هى مكاسب دبلوماسية، قد تساعدها فى كبح ما تواجهه من عقوبات وملاحقات دولية، وفى الداخل، ستكون الحكومة فى أكثر مواقفها ثباتا وقوة، عندما تتحدث لشعب إسرائيل، عن إعادة المخطوفين- أحياء وأموات- إلى عائلاتهم، ودون تخفيف كلفة الحرب والانسحاب التدريجى، تضمن إسرائيل حدودا آمنة من الهجمات وصواريخ المقاومة.
** ومع وجوبية الحذر الضرورى، من مسألة الهيئة الانتقالية الدولية، ومجلس السلام فى غزة، حتى لا ينتهى الأمر بما يتحدث عنه رافضون، بأنه نوع آخر من احتلال القطاع، يتعين الكلام عن هوية الدولة الفلسطينية، وما يمكن لمفاوضات الطرفين والوسطاء، ضمانه فى اتجاه تقرير مصير الشعب الفلسطينى، ودولته المستقلة بحدود الـ4 من يونيه 1967، بعاصمتها «القدس» الشرقية، وطالما جاءت خطة «ترامب»، فى ظاهرها، طريقا للتهدئة والبناء لما بعد الحرب، إنما فى جوهرها، اختبار لمستقبل الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى، تحاول معها «حماس» البقاء السياسى، وبسلاحها لحين التحرير، بينما تسعى إسرائيل لثبيت أمنها.. يبقى القول، إن الخطة لو تجاهلت ثوابت القضية العميقة- الأرض والهوية والسيادة- يعنى أنها تكون مجرد هدنة «وقف قتال»، لا تنهى الصراع ولا تصنع سلاما.