رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

لماذا تتحول أرفع جائزة سلام في العالم إلى هوس للقادة والسياسيين؟ بينما تبقى الحضارات العريقة التي أسست أسس السلام غائبة عن التكريم؟ أسئلة تطفو على السطح في وقت يسعى فيه دونالد ترامب بجنون للفوز بالجائزة، بينما تقدم مصر عبر تاريخها الطويل نموذجًا حيًا للسلام الحقيقي.
يشن ترامب حملة غير مسبوقة للحصول على الجائزة، معتمدًا على ما يصفه بإنجازاته في الوساطات الدولية. لكن طريقته في المطالبة العلنية بالجائزة تثير التساؤلات حول دوافع هذا الهوس، خاصة وأن لجنة نوبل تنص على أن "الضغوط الإعلامية والسياسية لن تؤثر في قراراتها".
يحاول ترامب تبرير مطالبته بالجائزة بالحديث عن "إهانة للولايات المتحدة" إذا لم يحصل عليها، لكن هذا التبرير يبدو هشًا أمام حقيقة أن العديد من الرؤساء الأمريكيين لم يحصلوا على الجائزة دون أن يعتبروا ذلك إهانة لبلادهم.
يشوب تاريخ الجائزة الكثير من الجدل، حيث منحت لشخصيات ارتبطت أسماؤهم بحروب ونزاعات مثل مناحم بيجن الذي حصل على جائزة نوبل  رغم كونه زعيم منظمة "الإرجون"  التي نفذت عمليات مثل مذبحة دير ياسين وتفجير فندق الملك داوود.
كما حصل شيمون بيريز على الجائزة رغم كونه من المؤسسين الأوائل للترسانة النووية الإسرائيلية وامتلاكه دورًا في العدوان الثلاثي وحادثة قانا. فيما قاد أبي أحمد بعد سنة من حصولة على الجائزة سنة 2019 حرب أهلية ضد التيجراي، مستخدمًا أحدث الأسلحة ضد شعبه وحلفائه السابقين.
تكشف هذه الحالات أن الجائزة لا تمنح دائمًا بناءً على إنجازات سلام حقيقية وملموسة، بل غالبًا ما تخضع للاعتبارات السياسية والرغبة في تشجيع سياسات معينة، كما صرح توربيورن ياغلاند، رئيس اللجنة النرويجية عند إعلان جائزة أوباما: "أردنا أن نعبر عن دعمنا للنهج الذي يتخذه تجاه المشكلات العالمية".
وعلى الجانب الآخر، نرى مصر منذ فجر التاريخ منارة للسلام وللعلم وقدمت للعالم أسس الحضارة  والمعرفة، من خلال علوم التحنيط والهندسة والطب. علمت مصر النظافة لأوروبا والتداوي بالأعشاب على يد القديسة المصرية فيرينا بنت الأقصر التي سافرت ضمن كتيبة طيبية في القرن الثالث الميلادي، والتي ما زالت تُكرّم حتى الآن في سويسرا وألمانيا، وتنتشر صورها في أنحاء أوروبا.
فمصر لم تكن بقعة جغرافية فحسب، بل كانت رمانة الميزان لحل الصراعات والنزاعات في المنطقة، بوساطة هادئة دون ضجيج إعلامي، بل تعمل بجد دون التركيز على الأضواء. فمن المعروف أن مصر تلعب دورًا محوريًا في جهود التهدئة في غزة وليبيا واليمن والسودان ولبنان، ولم يقف دورها عند الدول العربية بل امتد ليشمل الدول الأفريقية ومساعدتها في تحقيق التنمية.
وتشير الوثائق القديمة إلى أن مفهوم السلام في الحضارة المصرية القديمة لم يكن مجرد غياب للحرب، بل كان "مشروعًا حضاريًا متكاملاً". فالمخطوطات الفرعونية تظهر كيف أن المعاهدة المصرية-الحيثية عام 1258 ق.م كانت أول معاهدة سلام في التاريخ تنص على مفاهيم المساواة وعدم الاعتداء والتعاون المشترك.
كما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن مصر تحتل المرتبة الأولى عربياً في مشاركات قوات حفظ السلام، حيث ساهمت بأكثر من 30 ألف جندي في بعثات أممية.
يبقى السؤال الأهم: هل يقاس السلام بالإنجازات الحقيقية أم بالدعاية السياسية والرغبة في التكريم؟ فالجوائز لا تمنح لمن يطلبها، بل لمن يستحقها.
من الواضح أن الجائزة تحتاج إلى إصلاح جذري في معاييرها وآليات اختيار الفائزين، ويبدأ الإصلاح بتفكيك المركزية الغربية التي تهيمن على تعريفات السلام، وربما حان الوقت لظهور جوائز سلام جديدة تكون أكثر شفافية واستقلالية، وأقل تأثرًا بالاعتبارات السياسية.