يطالبون بحد أدنى 7000 جنيه:
صرخات ربيع العمر
«عبدالحليم»: المعاش فضحنى فى آخر العمر.. و«سيد»: أتقاضى 3000 جنيه منها 1200 للعلاج فكيف أعيش؟
منير سليمان: نعانى من الغلاء وتكاليف العلاج.. والحد الأدنى ضرورة
التأمينات: نصف تريليون جنيه تكلفة المعاش.. والزيادة تحتاج لدراسة اكتوارية
بينما تتسابق الأسعار فى الصعود بلا رحمة يظل أصحاب المعاشات فى مصر الفئة الأكثر ضعفاً فى مواجهة الغلاء بعد عقود طويلة قضوها فى خدمة الدولة، يجد الملايين منهم أنفسهم محاصرين بمعاشات لا تكفى حتى أبسط الاحتياجات اليومية، ومع تزايد الأعباء الصحية فى هذه المرحلة العمرية، يصبح الوضع أكثر قسوة، ليتحول المعاش الذى يفترض أن يكون «ضمانة لشيخوخة كريمة» إلى مجرد مبلغ رمزى لا يصمد أمام تكاليف المعيشة، من المدن للأحياء الشعبية إلى مناطق الطبقة الوسطى، يتكرر مشهد واحد، كبار سن يخرجون كل صباح، لا بحثاً عن نزهة أو زيارة للأصدقاء، بل بحثاً عن طريقة يسدون بها احتياجات الشهر، ينتظرون دورهم أمام ماكينات الصرف الآلى فى بداية كل شهر، يخرجون بكام ورقة مالية يرمقونها بحسرة، ولأنها لا تساوى شيئاً أمام ما يواجهونه من التزامات.
أمراض تحتاج ميزانية
ومع تزايد الأمراض التى تصاحب التقدم فى العمر، من ضغط وسكر إلى أمراض القلب الروماتويد، تضاعفت معاناة أصحاب المعاشات، فالأدوية الشهرية وحدها تلتهم نصف أو أكثر من قيمة المعاش، وبينما يردد المسئولون تصريحات عن «زيادات سنوية» لا تتجاوز ١٥٪ يرد أصحاب المعاشات: زيادة لا تكفى شراء كيس سكر ورغيف خبز
هكذا، لم يعد المطلب برفاهية أو تحسين مستوى معيشى، بل صار مسألة بقاء وكرامة.
وفى هذا السياق، جاءت الدعوات المتصاعدة على السوشيال ميديا لتطالب بحد أدنى للمعاشات لا يقل عن ٦٠٠٠ جنيه، باعتباره الرقم الذى يغطى الحد الأدنى لأسرة صغيرة فى مواجهة الغلاء.

معاناة أصحاب ربيع العمر
نقلت «الوفد» معاناة بعض أصحاب المعاشات وكان اللقاء مع الحاج عبدالحليم، ٧٠ سنة، سائق سابق فى هيئة النقل العام، يلخص المعاناة بجملة واحدة: «كنت فاكر أن المعاش هيسترنى فى آخر عمرى، طلع هو اللى فضحني» معاشه لا يتجاوز 3 آلاف جنيه، بينما إيجار شقته وحده ١٨٠٠ أى أن ما يتبقى له لا يكفى حتى لشراء كيلو لحم، ويضطر الرجل أن يعمل سائقاً تحت الطلب ليكمل ما ينقصه رغم أمراضه المزمنة التى تثقّل خطواته.
احتياجات طبية
الحاجة أمينة، ٦٢ عاماً، موظفة سابقة، تروى معاناتها بعد المعاش: «أنا أرملة وأتقاضى معاشاً قدره ٢٨٠٠ جنيه، أدفع نصفه تقريباً فى إيجار الشقة الذى يصل إلى ١٥٠٠ جنيه، ويتبقى لى ١٣٠٠ فقط للمعيشة طوال الشهر أبسط احتياجاتى الطبية تلتهم ما تبقى، فكشف الطبيب ٤٠٠ جنيه، والتحاليل ٣٠٠ أى أننى أضطر للاستدانة شهرياً كى أتمكن من العلاج وتوفير أساسيات الحياة، طوال عمرى كنت أؤمن بأن الدولة هى سندنا بعد التعب، لكن الواقع أثبت أن المتقاعدين تُركوا يواجهون أعباء الحياة وحدهم بلا سند حقيقى.
آخر خدمة ٤٠ سنة
ولا يختلف حال الحاج سيد، الموظف السابق البالغ من العمر ٧٠ عاماً، كثيراً عن حالها، حيث يروى رحلته الطويلة مع العمل ثم الصدمة بعد التقاعد»خدمت ٤٠ سنة متواصلة، كنت أخرج من بيتى السابعة صباحاً وأعود الرابعة عصراً، لم أتأخر يوماً ولم أقصر فى أداء عملى، وبعد كل هذا العناء لا يتجاوز معاشى ثلاثة آلاف ونصف جنيه، نصفهم تقريباً يضيع فى فاتورة الكهرباء والغاز، وما يتبقى بالكاد يكفى لشراء بعض الخضار والخبز، والاصعب بالنسبة لى أعانى من القلب والضغط وأحتاج لأدوية شهرية تتجاوز ١٢٠٠ جنيه، أحياناً أذهب للصيدلية وأطلب شريط دواء واحد فقط، وأقول للبائع إننى سأدفع باقى المبلغ عندما يقبض ابنى راتبه.

اتحاد المعاشات
توجهنا إلى منير سليمان، الأمين العام الأسبق لاتحاد المعاشات، الذى أكد أن الوضع المعيشى لأصحاب المعاشات بات «أقرب للمستحيل» فى ظل موجات الغلاء المتتالية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل جنونى، بينما لا يتجاوز الحد الأدنى للمعاشات اليوم ١٤٩٥ جنيهاً فقط.
وتساءل سليمان: «هل من المنطقى أن يتمكن صاحب معاش بهذا المبلغ الزهيد، خاصة إذا كان لا يزال مسئولاً عن إعالة أبنائه، من تدبير احتياجات أسرته اليومية؟ كيف يمكنه مواجهة مصاريف العلاج والأدوية وهو فى عمر تتكاثر فيه الأمراض؟» ثم أجاب قائلاً: «الأمر واضح.. لا يستطيع أن يعيش بكرامة فى هذا الواقع».
بين الأرقام والواقع
وأوضح سليمان أن نحو ٥٠٪ من أصحاب المعاشات يتراوح دخلهم الشهرى ما بين ١٥٠٠ و٢٠٠٠ جنيه فقط، فى حين لا يتجاوز من يحصل على معاش يصل إلى ٥٠٠٠ جنيه نسبة ٥٪ من أصحاب المعاشات، وغالباً لا يتحقق ذلك إلا بعد بلوغهم سن السبعين عاماً.
وأشار إلى أن هذه الأرقام تكشف الفجوة الهائلة بين الدخل المتدنى والحاجات المعيشية اليومية، خاصة فى ظل الخصخصة المتسارعة للمستشفيات وارتفاع أسعار العلاج والدواء بشكل مستمر، ما جعل الكثيرين غير قادرين على تحمل أبسط تكاليف الرعاية الصحية.
علاوة لا تجدى
وتطرق سليمان إلى مسألة العلاوات، مؤكداً أن العلاوة الدورية التى أُقرت بنسبة ١٥٪ لا تُحدث أى فارق حقيقى فى حياة أصحاب المعاشات، وعلل ذلك قائلاً: «إذا كان معدل التضخم قد وصل إلى ٤٠٪، فالعلاوة فى هذه الحالة ليست سوى تراجع فى القيمة الحقيقية للمعاش، لأن الأسعار تقفز بسرعة بينما تظل الزيادة ثابتة وبلا معنى» وضرب مثالاً بأسعار الخدمات الأساسية مثل الغاز والكهرباء والمياه والصرف الصحى، التى ترتفع بشكل مستمر ولا تتراجع، فضلاً عن إعلان الحكومة عن زيادات مرتقبة فى أسعار المحروقات بداية من أكتوبر المقبل، وهو ما يعنى بالضرورة ارتفاع تكاليف النقل وبالتالى زيادة أسعار كل السلع والمنتجات دون استثناء.
صندوق النكد دائماً
وأضاف الأمين العام الأسبق لاتحاد المعاشات أن أصحاب المعاشات يجدون أنفسهم فى مواجهة مباشرة مع شروط صندوق النقد الدولى، التى تنعكس فى شكل زيادات متواصلة بالأسعار ورفع الدعم عن الخدمات الأساسية. وأردف: «نحن ندفع الثمن دائماً، ومع كل قرار اقتصادى جديد تتضاعف معاناتنا».
مقارنة مع الأجور
وقارن سليمان بين وضع المعاشات والأجور قائلاً: «اليوم أصبح الحد الأدنى للأجور ٧ آلاف جنيه، وبرغم ذلك لا يكفى لتغطية نفقات أسرة مصرية متوسطة، فإذا كان الموظف الذى يتقاضى هذا الراتب لا يجد ما يسد حاجاته، فكيف يُنتظر من صاحب معاش يتقاضى ١٥٠٠ أو ٢٠٠٠ جنيه أن يعيش بكرامة؟».
وأكد أن عدد أصحاب المعاشات فى مصر يصل إلى نحو 12 مليون مواطن، ومع احتساب أسرهم، فنحن نتحدث عن ما يقرب من ٤٠٪ من الشعب المصرى، أى أن الأزمة تمس قطاعاً واسعاً من المجتمع وليس مجرد فئة صغيرة.
معاناة يومية
ووصف سليمان بعض المشاهد اليومية المؤلمة، حيث يضطر عدد من أصحاب المعاشات إلى جمع زجاجات المياه الفارغة وعلب الكانز لبيعها مقابل بضعة جنيهات تساعدهم فى شراء احتياجات أسرهم، وقال «هل يُعقل أن يصل الحال بمواطن أفنى عمره فى العمل وخدمة الوطن إلى هذه الدرجة من المعاناة؟ هذا أمر لا يليق بكرامة الإنسان».
وعود لم تُنفذ
وأشار إلى أن الحكومة كانت قد أعلنت فى يوليو الماضى عن علاوة استثنائية بقيمة ٤٠٠ جنيه تشمل الأجور وأصحاب المعاشات، إلا أنها لم تُنفذ بالنسبة للمتقاعدين، حيث اكتفت لهم فقط بالزيادة الدورية البالغة ١٥٪ وكان هذا بمثابة صدمة جديدة لأصحاب المعاشات الذين كانوا ينتظرون أى بارقة أمل للتخفيف عنهم».
مخالفة للدستور
وفى ختام حديثه، شدد منير سليمان على أن استمرار الوضع الحالى يمثل مخالفة واضحة وصريحة للدستور، الذى ينص على توفير حياة كريمة للمواطنين وحماية حقوق الفئات الأكثر ضعفاً.
وأضاف:«نحن جميعاً فى وطن واحد ومصلحتنا مشتركة، ولا يمكن أن تستقيم الأمور بينما يُترك الملايين تحت خط الفقر دون حماية حقيقية».
وطالب بضرورة رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى ٧ آلاف جنيه، معتبراً ذلك ليس ترفاً أو مطلباً مُبالغاً فيه، وإنما استحقاق ضرورى يتناسب مع حجم الغلاء المعيشى وارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار.
وختم قائلاً: «المعادلة واضحة.. الأسعار تزيد كل يوم، والمعاشات تقل فعلياً أمام هذا الارتفاع، إذا لم تتحرك الدولة بشكل عاجل لإنقاذ أصحاب المعاشات، فنحن مقبلون على كارثة اجتماعية حقيقية».
الهيئة القومية للتأمين
ويأتى الدور على الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى للرد:
بدايةً نوضح أن قيمة المعاش تتحدد بناءً على عاملين أساسيين الأجر الذى يٌسدد عنه الاشتراك الشهرى ومدة الاشتراك فى النظام، وتنفيذاً لأحكام الدستور فقد حدد القانون حداً أدنى للمعاش تم تحديده وفقاً للدراسات الاكتوراية بواقع ٦٥٪ من الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأمينى، مع وضع آلية لزيادة الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأمينى سنوياً بحيث يُزاد معه بالتبعية الحد الأدنى للمعاش، وأن تكلفة صرف المعاشات السنوية حالياً تقترب من نصف تريليون جنيه، وأن تكلفة الزيادة الأخيرة للمعاشات المقررة من ٢٠٢٥/٧/١ تبلغ ٧٠ مليار جنيه
وبالنظر للمطالبة برفع الحد الأدنى للمعاش إلى ٧٠٠٠ جنيه نتسائل هل مقبول أن يشترك المؤمن عليه فى نظام التأمينات الاجتماعية بأجر شهرى ٢٣٠٠ جنيه (الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأمينى حالياً) لمدة ١٥ سنة ويستحق معاشاً بمبلغ ٧٠٠٠ جنيه عند بلوغه السن وهذا المعاش يُزاد سنوياً ويستمر فى صرف المعاش له ولأسرته من بعده لمدة تبلغ فى المتوسط ٢٥ سنة؟، وماذا عن الذى اشترك فى النظام بأجر ٧٠٠ جنيه لمدة ٣٦ سنة هل سيحصل على معاش ٧٠٠٠ جنيه أيضا رغم أنه سدد للنظام حوالى ٨ أمثال من سدد بأجر ٢٣٠٠ جنيه؟، ومن أين يأتى تمويل تلك الفجوة بين الأجر المشترك عنه فى النظام والمعاش الذى يزيد عن ثلاث أمثال الأجر؟، وكم ستبلغ تكلفة المعاشات سنوياً فى هذه الحالة؟، وغيرها من الأسئلة التى لايتسع المجال لذكرها، أن المطالبة بأى زيادة فى نظام المعاشات ينبغى أن تتم وفقاً لدراسة اكتوارية لمعرفة الأثر المالى على المدى البعيد، ومدى قدرة النظام على تحمل الأعباء المالية لهذه الزيادة، خاصة أن الأموال الحالية لاتخص أموال أصحاب المعاشات فقط وانما تخص أيضاً أموال المؤمن عليهم حالياً والبالغ عددهم ١٤ مليون يقومون بسداد الاشتراكات شهرياً، ويجب تكوين احتياطيات مالية لهم لصرف معاشاتهم مستقبلاً عند تحقق شروط استحقاق المعاش.