خارج المقصورة
سيلٌ متدفق من صفقات الاستحواذ، محلية وأجنبية، اجتاح حصصًا من شركات البورصة المصرية، لم يكن وليد الصدفة أو مغامرة غير محسوبة، بل كان نتاج دراسات دقيقة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى. المستحوذون يدركون أن اللحظة «لقطة»، وأن الاستثمار الذكى يُبنى على اقتناص الفرص حين تكون الأسعار فى أدنى مستوياتها، بينما الأصول الحقيقية للشركات تُقدَّر بملايين، بل بمليارات الجنيهات.
من يملك البصيرة يرى أن أسهمًا تُتداول اليوم بـ«تراب الفلوس»، ما هى إلا بوابة لامتلاك ثروات مستقبلية، خاصة إذا كانت هذه الشركات تنشط فى قطاعات واعدة كالقطاع الغذائى والدوائى، التى تعد بحق «فرس الرهان» فى معركة الاستثمار القادمة.
فى الماضى القريب لنا عبرة؛ فخلال أحداث ثورة يناير 2011، انهارت أسعار أسهم الشركات المصرية لتُعرض بأبخس الأثمان، لكن من كان يملك السيولة وقتها دخل بجرأة، واستحوذ على حصص مؤثرة، ليخرج بعد سنوات قليلة محققًا مكاسب ضخمة، وليظهر جيل جديد من المليونيرات، بعدما تضاعفت قيم أصول تلك الشركات وأراضيها إلى مليارات.
صحيح أن البورصة استثمار عالى المخاطر، لكنّها تبقى الساحة الوحيدة القادرة على تحقيق أعلى عائد إذا ما قورنت بأدوات الاستثمار التقليدية الأخرى.. قد يتساءل البعض: لماذا نستحضر هذه الأمثلة الآن؟
السوق المصرى شهد مؤخرًا موجة استحواذات جديدة حرّكت المياه الراكدة، وأعادت للأسهم والمؤشرات بريقها، فاتحة أبوابًا لفرص استثنائية لا ينبغى التفريط فيها.. ولست بصدد التوقف عند صفقة شراء الصندوق الإماراتى لحصة 5% من اتحاد المساهمين فى شركة «إيسترن كومبانى»، بقدر ما يعنينى تسليط الضوء على خطوة أكثر عمقًا وأهمية؛ وهى دخول جهاز مستقبل مصر – الذى تأسس رسميًا عام 2022 – إلى ميدان الاستحواذات. هذا الجهاز الذى نشأ برؤية تهدف إلى دعم الأمن الغذائى وتحقيق التنمية المستدامة عبر مشروعات استصلاح الأراضى وزراعتها، وتصنيع الأغذية، وتنمية الثروة الحيوانية والسمكية، فضلًا عن التوسع فى المجتمعات الذكية.
الجهاز لم يكتفِ بالشعارات، بل تحرك عمليًا ليستحوذ على حصص متفرقة فى شركات ذات ثقل استراتيجى، مثل: الشركة العربية لاستصلاح الأراضى، و«المنصورة للدواجن»، و«الدولية للصناعات الطبية – إيكمى»، وما قام به الجهاز ليس مجرد استثمار عابر، بل توجه إيجابى يحمل فى طياته مكاسب بالجملة، سواء على صعيد العائد المالى المباشر، أو من خلال دعم ركائز الاقتصاد القومى المصرى، وتعزيز قدرة الدولة على تلبية احتياجاتها الحيوية فى المستقبل.
هذه الاستحواذات وغيرها تفتح الشهية أمام الأموال الأجنبية على اعتبار أن الاستثمار بالسوق المصرى، ما بعد كنز، وهو ما يصب فى مصلحة السوق والاقتصاد.
< يا سادة.. طوبى لكل من يمتلك السيولة ويقتنص بها حصصًا فى شركات البورصة المصرية، فهو المنتصر الحقيقى فى معركة الاستثمار، يحصد اليوم أصولًا، ويجنى غدًا عوائد مضاعفة..