رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

خطة ترامب لوقف الحرب في غزة أثارت جدلاً واسعًا منذ أن أعلنها إلى جانب نتنياهو، إذ جاءت في واحد وعشرين نقطة تحمل مزيجًا من وعود الإعمار والتهدئة والضبط الأمني. في ظاهرها، تبدو محاولة لإعادة الحياة إلى قطاعٍ يئنّ من الحصار والدمار، لكن قراءة تحليلية متأنية تكشف عن تناقضات جوهرية تجعلها أقرب إلى مشروع سياسي انتقائي يخدم مصالح إسرائيل أكثر مما يسعى إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.

أولى ملامح الخطة تتمثل في وقف إطلاق النار الفوري، وربطه بتبادل الرهائن والمحتجزين، وهو ما يعكس مقاربة أمنية إسرائيلية الطابع أكثر من كونه استجابة لحاجة إنسانية عاجلة. ثم يأتي الشرط الأكثر إشكالية: نزع سلاح حماس واستبعادها من أي صيغة حكم قادمة. هنا تكمن المفارقة؛ فبينما يدّعي ترامب أن الخطة تسعى لتهدئة طويلة المدى، فإنه عمليًا يضع أساسًا لتجريد طرف رئيسي من أدواته السياسية والعسكرية دون معالجة جذور الصراع، ما يجعل آلية التنفيذ شبه مستحيلة.

الخطة تتحدث أيضًا عن لجنة فلسطينية انتقالية تكنوقراطية تشرف عليها هيئة دولية تُدعى "مجلس السلام" يترأسها ترامب ويشارك فيها توني بلير وشخصيات دولية بارزة أخرى، في تجاهل صريح للسلطة الفلسطينية وللشرعية المحلية. هذا الطرح يُحوّل غزة إلى ساحة اختبار لانتداب دولي جديد بغطاء "إعمار"، وكأن معاناة الفلسطينيين مجرد فرصة لتطبيق وتجريب أشكال من الإدارة والوصاية الأجنبية.
أما وعود الإعمار وإعادة تشغيل الاقتصاد، فهي مغرية من الناحية الإنسانية، لكنها مشروطة بقبول الشروط الأمنية والسياسية الثقيلة، وهو ما يجعلها أقرب إلى سياسة العصا والجزرة.

من الناحية القانونية والسياسية، تفتقر الخطة إلى مرجعية واضحة: لا تستند إلى قرارات الأمم المتحدة، ولا تعترف بحق تقرير المصير الفلسطيني، بل تكتفي بترتيبات أمنية وإدارية تخدم إسرائيل أولاً. إذ "لم تمنح المبادرة الفلسطينيين جوهر حقوقهم الوطنية، ولا تعترف بدولة مستقلة أو بحدود واضحة، بل تتعامل مع غزة كملف إنساني مُنفصل".  تتجاهل الخطة أيضًا قضايا محورية كـ الاستيطان وحقوق القدس والضفة الغربية وتعمق من الانقسام الفلسطيني. وحتى الحديث عن "قوة استقرار دولية" يظل ملتبسًا، إذ قد يتحول إلى احتلال مُقنَّع إذا لم يُحدد له إطار زمني وصلاحيات دقيقة واضحة.

في النهاية، خطة ترامب لوقف الحرب في غزة لا يمكن اعتبارها مشروع سلام متوازن بقدر ما هي صفقة سياسية تُكرّس اختلال موازين القوى، وتُعيد إنتاج معاناة الفلسطينيين تحت غطاء جديد. قد توقف القتال مؤقتًا، وقد تُدخل مساعدات عاجلة، لكنها لا تعالج أصل المشكلة: الاحتلال وغياب تسويات سياسية شاملة وعادلة وليس الاكتفاء بحلول إنسانية أو مؤقتة. وبذلك تبقى الخطة مجرد فصل آخر في مسلسل المبادرات غير المكتملة، التي تبدأ بضجيج إعلامي وتنتهي في غياهب التاريخ.