رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

مسار القهوة

- عايزنى أعتذر له؟
- على جثتى!
هل أصبح الاعتذار من بقايا الماضى؟
يرى كثير من الناس أن الاعتذار يمثل انكسارًا أو نقطة ضعف لا يجب إظهارها، كونها دليلَ تراجعٍ وهزيمة لا تليق بهم، ومن هذا المنطلق فإن أشد المكابرين الرافضين للاعتذار، هم الذين يصنفون أنفسهم كطبقة مثالية لا تخطئ، وإن أخطأتْ فهى سامية لا تعتذر لمن هم دونها مرتبة، وفى ذلك شيء من صفات الشيطان ألا وهو الكِبَر، وصدق النبى الكريم إذ يقول: «لا يدخلُ الجنَّةَ مَنْ كان فى قلبِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر».
فمن منا لا يخطئ فى حق نفسه أو فى حق الآخرين، سواء أكان الخطأ بالقول أم الفعل؟! فالبشر جميعًا، سوى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، خطّاؤون، مصداقًا لقول نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم: «كلُ ابنِ آدمَ خطّاءٌ وخيرُ الخطّائينَ التوّابون».
ومن الطبيعى أن يلتقى أفراد المجتمع فيتفقون ويختلفون بسبب البيئة التى نشأوا فيها وطريقة تفكيرهم وقدراتهم على الإدراك وحصولهم على مقادير من تزكية الأنفس. وتتفاوت درجات الاختلاف فيما بينهم، فمنهم من يتفهم هذا الاختلاف ومن يتجاهله، ومنهم من يصل اختلافه إلى حد الخطأ فى حقوق الآخرين؛ فالخطأ هنا متلازمة للتفاعل الاجتماعى، فلا توجد علاقة مثالية طوال الوقت؛ لذا، لا بد مِن اعتذار مَن أخطأ، والتماس المعذرة منه وقبولها. وهذا الاعتذار ليس مجرد كلمات تخرج من الألسنة لتتلقاها الأُذُن وترحب بها القلوب، بل هو أحد أسباب إصلاح العلاقات وترميمها بين الأصدقاء والشركاء والأزواج وبين من نعرف من البشر ومن لا نعرف.
إن الاعتذار ليس ضعفًا، بل قوة وثقة، وثقافة راقية، يُذهِبُ الحِقدَ ويدفعُ الصدَّ، وهو ليس إهانة للنفس كما يعتقد بعضهم. ويرى كثير أن الاعتراف بالأخطاء والاعتذار يهدر الكرامة، ومن ثم فلا يقوى عليه سوى قلة، فنحن نقدر الاعتذار بالمعنى المجرد، ولكن ندير له ظهورنا عندما يحين وقته.
والاعتذار فن لا يتقنه جميع البشر، رغم أنه لا يتطلب علمًا أو ثقافةً واسعة، بل هو أدب وتواضع، وقدرة على كبح جماح النفس الأمّارة بالسوء. من هنا فإن أجمل أشكال الاعتذار، هو اعتذار القوى للضعيف، والكبير للصغير، وكما أن الاعتذار واجب، فإن قبول الاعتذار والصفح أوجب، لأنه من شيم الكرماء والنبلاء.
لذلك يجب أن نربى أبناءنا على أن الاعتذار ليس ضعفا، بل شجاعة وقوة ومروءة، وأن الضعفاء هم من لا يعتذرون، بل يختلقون لأنفسهم المبررات لتجاوزه والتهرب منه، أمّا السَّوِيُّ فهو مَن يعتذر عن خطئه، ويكفِّر دون أدنى شعور منه بالعيب أو النقص أو الحطّ من قدْرِه، فحين يصبح الاعتذار سلوكًا طبيعيًا بين الأزواج والأصدقاء والزملاء، سنجد أنفسنا نعيش فى بيئة أكثر رقيًّا وتسامحًا ونضجًا؛ حينها فقط، لن يخجل الإنسان من قول: «أنا آسف»، ولن يتردد فى الاعتراف بخطئه.
وفى النهاية، فلو عاد معتذرًا؛ فأهلا ومرحباً به، وعفا الله عما سلف، ولألتمس له السبعين عذرًا.

أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب - جامعة المنصورة
[email protected]