خالد النبوى.. نجم يحمل مشروعًا فنيًا وجائزة تليق برحلته

القاهرة السينمائى الـ 46 يمنحه جائزة فاتن حمامة
بينما تتجه أنظار الوسط الفنى والثقافى نحو الدورة السادسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، كان الإعلان عن تكريم الفنان خالد النبوى ومنحه جائزة «فاتن حمامة للتميز» واحدًا من الأخبار التى لاقت ترحيبًا واسعًا. ليس فقط لأنه تكريم لفنان محبوب، بل لأنه يأتى تتويجًا لمسيرة فنية حافظ فيها خالد النبوى على معادلة صعبة: أن تكون ممثلًا شعبيًا، ونخبويًا فى آن.
خالد النبوى ليس نجمًا بالمعنى السطحى للكلمة، لكنه مشروع فنى حقيقى، يشتغل على نفسه، وعلى ما يقدّمه، ويقف عند كل عمل باحترام شديد للجمهور، ولتاريخه، ولصورة الفنان كما يجب أن تكون.
ينتمى خالد النبوى إلى جيل دخل الوسط الفنى فى وقت دقيق، حيث كانت المنافسة شرسة، والفرص قليلة، لكنّه استطاع أن يفرض موهبته مبكرًا. كانت البداية مع يوسف شاهين فى «المهاجر»، دورٌ غيّر كثيرًا من موقعه الفنى، وفتح له أبوابًا إلى مساحة مختلفة من التمثيل، لا تعتمد فقط على وسامة الوجه أو الكاريزما، بل على التكوين النفسى للشخصية، والصراع الداخلى، والأداء العميق.
منذ ذلك الفيلم، بدا واضحًا أن النبوى لا يريد أن يكون مجرّد نجم شاشة، بل ممثلًا صاحب مشروع فنى، يبحث عن المختلف، ويغوص فى الأدوار المركّبة، ولا يرضى بأن يكون مجرد «تريند» عابر.
من «المصير» إلى «المواطن مصري»، ومن «المسافر» إلى «ممالك النار»، سطع اسم خالد النبوى فى أعمال تترك أثرًا، لا تسعى فقط للترفيه، بل تحمل فكرًا، أو رؤية، أو على الأقل بصمة.
فى الدراما، نذكر له «حديث الصباح والمساء» كعلامة فنية مميزة، ومسلسل «مسألة مبدأ» كإثبات على قدرته فى الإمساك بتفاصيل الشخصية. وفى «راجعين يا هوى» بدا وكأن جزءا من الشاشة، بقدرته على التحكم فى الإيقاع، ونقل المشاعر بصدق دون افتعال.
ما يميز النبوى حقًا هو اللغة الخاصة التى يصنع بها أداءه، لا يشبه أحدًا، ولا يكرّر نفسه. يرفض الوقوف فى مكان واحد، ويخاطر باختيارات قد تكون بعيدة عن السوق لكنها قريبة من روحه الفنية. وربما هذا ما جعله لا يظهر كثيرًا، لكنه حين يظهر، يترك أثرًا طويلًا.
حين شارك فى فيلم «Kingdom of Heaven» مع المخرج ريدلى سكوت، لم يكن ذلك محض صدفة. بل كان نتيجة طبيعية لفنان يعرف كيف يقدّم نفسه عالميًا دون أن يذوب فى النموذج الغربى. ظهر بهوية عربية خالصة، وأداء احترافى ينافس أى ممثل عالمى، ما جعله مرشحًا بعدها لأعمال أخرى، بعضها اعتذر عنها، وبعضها فضّل التأنى قبل قبوله.
وجاء دور خالد النبوى الذى جسد فيه شخصية السادات فى المسرحية الأمريكية «كامب ديفيد» بمثابة نقلة حقيقية فى مشواره الفنى، فكان وجه مشرف لمصر، قدم شخصية السادات بأداء مميز وشارك معه الممثل ريتشارد توماس الذى يجسد شخصية جيمى كارتر، وهولى فوت، ورون رفكلين، وإخراج مورث ميث.
الكاريزما التى يتمتع بها خالد النبوى، هى حالة من الحضور الطاغى الذى يصنعه أداء صادق، وذكاء فى التعامل مع الكاميرا، ومع المشاهد فى آن واحد.
جائزة «فاتن حمامة للتميز» لا تمنح على النجومية فقط، بل على التأثير. وخالد النبوى ترك تأثيرًا حقيقيًا، ليس فقط على زملائه أو الجمهور، بل على شكل الصورة التى يمكن أن يكون عليها الفنان العربي: فنانًا مثقفًا، ملتزمًا، مسئولًا عن اختياراته، وغير منساق وراء الاستسهال أو التكرار.
فى هذا التوقيت تحديدًا، يبدو تكريم خالد النبوى رسالة أمل لجيل جديد يبحث عن قدوة حقيقية. فها هو فنان بدأ من المسرح، ثم صنع نفسه بالاجتهاد، وتجويد الأداء، والصدق الفنى، حتى أصبح يستحق أن يُقال عنه: «نجم له مشروع».
فى زمن يسهل فيه أن تكون مشهورًا، ويصعب أن تكون مؤثرًا، يثبت خالد النبوى أن النجومية الحقيقية لا تأتى من عدد المتابعين، بل من عدد الأدوار التى تبقى فى الذاكرة.
تكريمه فى مهرجان القاهرة ليس نهاية، بل محطة جديدة فى مشوار فنان لا يزال لديه الكثير ليقدّمه، ولا يزال قادرًا على الإدهاش، لأنه ببساطة.. لم يتوقف أبدًا عن أن يكون تلميذًا نجيبًا فى مدرسة الفن.
