في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات التقنية والاجتماعية، لم تسلم العادات والتقاليد من إعادة النظر فيها، وكثير من الممارسات التي كانت تُعتبر ثوابت اجتماعية باتت الآن محل نقاش، فهل نحن أمام ثورة ناعمة يقودها الجيل الجديد لإعادة تشكيل موروثات الماضي؟ وهل هذه التغيرات تعني قطيعة مع الأصالة، أم أنها تطور طبيعي ولكن سريع ينسجم مع متطلبات العصر؟
ما المقصود بالعادات والتقاليد؟
العادات هي أنماط سلوكية يكتسبها الإنسان نتيجة التكرار والاعتياد، بينما التقاليد هي الموروثات الاجتماعية والثقافية التي تنتقل من جيل إلى آخر، وتشمل العادات، والطقوس، والقيم، وحتى المظاهر المادية مثل اللباس والأطعمة، العادة كما قال ألبير كامو "العادة تُخدر الإحساس، تجعل كل شيء يبدو وكأنه دائم لا يتغير".
الجيل الجديد ونظرة مختلفة تحمل عقلية التساؤل بدل التسليم:
الجيل الجديد لم يعد يكتفي بقول وفعل "ما وجدنا عليه آباءنا"، بل أصبح يسأل لماذا؟ وكيف؟ وهل هذا لا يزال مناسبًا اليوم؟، وبدأ هذا الجيل يطرح الأسئلة التي كانت تعتبر سابقًا "خطوطًا حمراء"، وكأنني أسمع صوت المهاتما غاندي عندما قال "ليست كل العادات يجب أن تبقى، فبعضها عبء على الروح".
وسائل التواصل وتفكيك السرديات التقليدية:
أدى إنفتاح الشباب على ثقافات متعددة بفضل الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي إلى نوع من المقارنة المستمرة بين ما اعتادوه وما يشاهدونه حول العالم، فظهرت أسئلة حول قضايا مثل حرية الفرد، ودور المرأة، والعلاقات الاجتماعية، وأدوار السلطة في المجتمع.
الاستقلالية وتقدير الفردية:
العادات التقليدية غالبًا ما تُمجد الجماعة، وتقلل من صوت الفرد، أما الجيل الجديد فيميل لتقدير الذات والاستقلالية، مما يخلق صدامًا في بعض الأحيان مع تقاليد ترى في "الخروج عن المألوف" نوعًا من العصيان أو قلة الاحترام، ولكن أتوقف عند قول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "من لم يملك قراره، لا يملك مصيره".
هل نعيش أزمة هوية؟
البعض يرى أن هذا التغيير يمثل تهديدًا لهويتنا الثقافية، ويؤدي إلى فقدان القيم، بينما يرى آخرون أنه خطوة ضرورية نحو مجتمع أكثر عدالة وتوازنًا، والحقيقة أن المسألة ليست "إما أو"، بل هي ساحة تفاعل بين الثبات والتجديد، والحقيقة ان "الهوية ليست شيئًا جامدًا أو ثابتًا، بل هي عملية مستمرة من التشكل والتغير، تتأثر بما حولها من ثقافات وتفاعلات".
إعادة تشكيل لا قطيعة:
ليس كل تغير يعني تخليًا عن الجذور، الجيل الجديد لا يرفض كل التقاليد، بل يسعى لتكييفها مع واقعه، وهناك عادات يُعاد تفسيرها بشكل أكثر إنفتاحًا، وهناك تقاليد تُستبدل بأخرى أكثر إنسانية أو عقلانية، مع الحفاظ على جوهرها الثقافي أو الروحي.
"علينا أن نفرّق بين التراث وبين التقديس، فليس كل ما ورثناه مقدساً":
إن العادات والتقاليد ليست نصوصًا مقدسة، بل مفاهيم اجتماعية حية، تتغير وتنمو كما ينمو الإنسان، والجيل الجديد وإن بدا في صدام مع بعض الموروثات، إلا أنه في الحقيقة يُمارس حقه في إعادة النظر، ليس بدافع الرفض، بل بدافع البحث عن معنى أعمق يناسب عصره.
ومن هذا المنطلق أرى أن العادات ليست تحت التهديد بقدر ما هي تحت المجهر، تخضع للتقييم، وتستعد لمرحلة جديدة من التفاعل مع جيلٍ أخر لا يخشى التغيير، بل يحتضنه بعقل ناقد وقلب متصل بالجذور، الأجيال الجديدة تُولد بأسئلة لا تجيب عنها كتب الماضي، لذلك أنت لست مطالَبًا بأن تكون نسخة مثالية أمام أعين الجميع "كن أنت نفسك، لا ما يريد الآخرون أن تكونه" - فريدريش نيتشه، وختامًا حينما الماضي يستهدف عقول الشباب، تصبح الحقيقة هي أولى الضحايا.