كاريزما
أتم الروائى الكبير يوسف القعيد؛ عامه الواحد والثمانين. والحقيقة أننى فوجئت بالرقم متمنيًا له العمر الطويل؛ وأتذكر أننا حضرنا يوم أتم الستين عاما فى حفل كبير لمؤسسه دار الهلال وكان الأستاذ محمد حسنين هيكل حاضرا وعلّق أيضا بأنه فوجئ؛ وقال إن الصورة التى تظل مرسومة فى الذاكرة منذ معرفتنا بإنسان تظل كما هى كأنها تتحدى الزمن.
<< القعيد منذ بداياته الروائية وهو حريص أن يعبر عن القرية المصرية فكل ما كتب كان يصب فى قضية تأصيل الشخصية المصرية وتفسير عبقرية مصر وشعبها المناضل ضد كل أنواع الاحتلال؛ وبقى فى النهاية ثابتًا شامخًا بلا ضلال أو ظلال؛ ظهر هذا جليًا فى رواياته: البيات الشتوى، ويحدث فى مصر، والحرب فى بر مصر، والقلوب البيضاء، ووجع البعاد، وغيرها.
<< رواية الحرب فى بر مصر تحكى قصة شاب مصرى فقير يتطوع –إجباريا– فى الجيش؛ بدلا من ابن العمدة الثرى قبيل حرب أكتوبر ١٩٧٣؛ يتفوق الشاب الفقير فى الحرب ويحقق إنجازات تؤدى إلى استشهاده؛ لكن العمدة يقوم بتزوير أوراق رسمية ليؤكد أن ابنه هو الشهيد؛ ليستثمر هذا فى سيرته الذاتية ويتلقى التهنئة من المسئولين.
<< هذه الرواية حوّلها المخرج الكبير صلاح أبوسيف إلى فيلم سينمائى بطولة عمر الشريف الذى جسّد دور العمدة المزور. الفيلم حقق نجاحًا كبيرًا وشارك فى مهرجانات عربية وعالمية.
<< أعمال القعيد الأخرى تم تحويلها إلى دراما تليفزيونية وإذاعية؛ مما اتاحت أن تقرب فكر الروائى المصرى الكبير إلى أغلب المصريين والعرب.
<< القعيد وقد عبر الثمانين أو الواحد والثمانين عليه أن يسجل لنا بالتفصيل قصة حياته وهى ثرية ومليئة بالأزمات والمشاكل والعراقيل.
<< تجربة القعيد؛ ليست كتجربة نجيب محفوظ؛ لأن محفوظ برغم ثراء سنوات بداياته الأولى إلا أن حياته كانت سلسة لم تكن بها تعقيدات مثل حيوات طه حسين أو لويس عوض أو خليل حسن خليل أو عبدالرحمن بدوى وغيرهم؛ هؤلاء واجهوا تحديات مميتة ومصاعب ولهذا حينما سجلوا سيرتهم؛ كانت دراما حياتية ممتدة. مثل الأيام لطه حسين وأوراق العمر للويس عوض، وبالتالى فإن نجيب محفوظ حينما كتب أصداء السيرة الذاتية؛ كان اتجاها آخر لتسجيل شذرات من يومياته.
<< أتخيل أن حياة يوسف القعيد ليست مسطحة ولم تكن ممهدة أو مضيئة؛ فقد تخطى العديد من التجارب والحلول المشتبكة غير السهلة غير المحكمة غير المتوقعة.
القعيد كاتب تحمل مسئولية التنوير.. وكان المقابل صعبا عنيدًا صادم.