أخيرا أطلقت الحكومة برنامجا وطنيا للتنمية الاقتصادية تحت عنوان «السردية الوطنية للتنمية»، بما يمثل مرجعية حكومية مستمرة للإصلاح بغض النظر عن استمرار الحكومات أو تغيرها، وهو ما يمثل خطوة غير مسبوقة تحمل من كثير من التفاؤل والتوقعات الإيجابية وهو ما يبث الطمأنينة، ويزيد الثقة فى الاقتصاد الوطنى حاضرا ومستقبلا.
لقد كان تغير الحكومات والمسئولين بمثابة تعطيل وإرجاء لخطط إصلاحية سابقة، وهو ما أدى إلى تباطؤ الإصلاح على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ولا شك أن اعتماد أسس تشريعية واضحة للسردية الوطنية للتنمية أبرزها قانون المالية العامة الموحد رقم 6 لسنة 2022، وقانون التخطيط العام للدولة رقم 18 سنة 2022، يعكس جدية واصرارا على تحقيق خطة التنمية، خاصة أن القانون الأول أرسى مفهوم الموازنة متوسطة المدى وربطها بالأهداف التنموية، بينما ألزم القانون الثانى الوزارات والهيئات العامة بتحديد مؤشرات لأدوات قابلة للقياس وربطها بالخطط القطاعية. وهذا ما يفترض معه أن خطط التنمية لم تعد مجرد أوراق أو توجهات للإعلان فقط، وإنما التزام قانونى مع وجود آليات للمتابعة والتقييم لضمان التنفيذ.
إن كل هذا مُبشر وجيد خاصة فى ظل تأكيد السردية الجديدة على ضرورة فتح الأبواب أمام القطاع الخاص ليكون المحرك الأساسى للنمو والموفر الأول لفرص العمل، بعد استعادة قوته وزخمه ومشاركته الأكبر فى الأنشطة الاقتصادية.
وكما قلنا مرارا، فإن دور الدولة فى الأنشطة الاقتصادية خلال الفترة الماضية ربما كان مبررا لأسباب استثنائية وفى ظل أوضاع غير طبيعية، وأنه من الأفضل والأنسب انسحابها من النشاط الاقتصادى وهو ما سبق وأشار إليه كثير من المسئولين، وأكدت عليه الوثيقة الخاصة بملكية الدولة.
غير أنه يجب ونحن نتحاور مجتمعيا بشأن سردية التنمية الوطنية أن نتصارح حول الأسباب الموضوعية التى أدت إلى تباطؤ تخارج الكيانات العامة من الأنشطة الاقتصادية. فالمؤشرات حتى الآن تصب فى اتجاه تزايد دور هذه الكيانات فى الاقتصاد الوطنى وليس العكس.
إن هناك كيانات كبرى عامة ما زالت تعمل فى أنشطة غير استراتيجية بما يشكل منافسة صعبة للقطاع الخاص، وعلينا أن نتصارح بما يعوق عملية تخارجها لإتاحة المجال للقطاع الخاص للمنافسة العادلة بشفافية ووضوح.
وإذا كانت السردية قد حددت خمسة قطاعات رئيسية تستهدف جذب استثمارات فيها وهى قطاعات الصناعة، الزراعة، السياحة، الطاقة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فإن على الحكومة أن تتعرف من خلال محاورات صريحة ومباشرة مع المستثمرين عن معوقات الاستثمار التى تواجه الاستثمار فى هذه القطاعات، وعليها أن تتشاور مع القطاع الخاص فى مقترحات إزالتها.
ولا شك في أن اعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية مرة أخرى بهدف تعظيم العائد، ومنع التضارب، وتقليل التداخل فى الاختصاصات ضرورة، لكن ذلك يتطلب حلولا غير تقليدية وأفكارا خارج الصندوق، تضمن تحقيق المرجو من إعادة الهيكلة فى وقت قياسى، خاصة فى ظل منافسة دولية على تيسيرات وحوافز الاستثمار فى الدول الناشئة.
إن مصر لديها إمكانات عظيمة يمكن استغلالها من موقع جغرافى متميز، وتنوع إقتصادى لافت، وقوة بشرية كبيرة، وعلاقات دولية وإقليمية قوية، ولكنها مازالت فى حاجة إلى قصص نجاح ملهمة، لا للقطاعات الحكومية وإنما لمؤسسات القطاع الخاص، والاستثمار الأجنبى المباشر. فهذا ما يمثل اضافة حقيقية للتنمية الاقتصادية، وهو الذى يمكن أن يوفر فرص عمل للأجيال القادمة.
وسلامٌ على الأمة المصرية