تُعد الدولة كيانًا سياديًا يتمتع بسلطة تنظيمية وتشريعية تهدف إلى إدارة شؤون المجتمع، والحفاظ على النظام العام، وأن الدولة ليست مجرد آلة للسلطة، بل هي في جوهرها مسؤولة عن خدمة المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير مقومات الحياة الكريمة، لذا أتسأل ما بين الحريات الفردية، وتدخل الدولة من يضع الحدود؟
مفهوم الدولة ودورها الأساسي:
الدولة هي الإطار القانوني والسياسي الذي يُنظم حياة الأفراد داخل حدود جغرافية معينة، وتمتلك الدولة ثلاث سلطات رئيسية التشريعية، والتنفيذية، والقضائية والتي تهدف إلى سن القوانين وتطبيقها والفصل في النزاعات وغيرها، أن دور الدولة لا يقتصر على هذه الجوانب السياسية، بل يمتد ليشمل مسؤوليات إجتماعية تتمثل في توفير التعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل، والحماية الاجتماعية، وتمكين الفئات الضعيفة.
ما هي المسؤولية الاجتماعية للدولة؟
تشير المسؤولية الاجتماعية إلى إلتزام الدولة تجاه المجتمع، خاصة في دعم العدالة، وتقليل الفجوات الطبقية، وحماية البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة، وتتحقق هذه المسؤولية من خلال سن سياسات عادلة يتم فيها توزع الموارد بشكل منصف، وتوفير الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، وتعزيز حرية التعبير والرأي، والاهتمام بالفئات الهشة مثل ذوي الإعاقة، وكبار السن والفقراء، لذلك الدولة ليست سوى تعاقد اجتماعي يتخلى فيه الأفراد عن جزء من حريتهم طوعًا لضمان حرية الجميع.
التوازن بين السلطة والخدمة - السلطة كوسيلة لا غاية:
السلطة تُمنح للدولة لتستخدمها في تنظيم المجتمع، لكنها ليست غاية بحد ذاتها، وعندما تتغوّل السلطة وتتحول إلى وسيلة للسيطرة بدلاً من الخدمة، تخرج الدولة عن إطارها الاجتماعي، وتتحول إلى أداة قمع بدلًا من رعاية، لذلك القائد العظيم هو من يرى في سلطته أمانة لا امتيازاً له.
الخدمة كمبدأ أخلاقي وقانوني:
تقديم الخدمة واجب قانوني وأخلاقي، والمواطنون يدفعون الضرائب ويمنحون الدولة الشرعية، وبالتالي فإن مقابل ذلك هو توفير مستوى معيشي لائق، وخدمات تحفظ الكرامة الإنسانية، وأفراد بالمجتمع ليس عبيدًا بل شركاء.
الشفافية والمساءلة:
التوازن بين السلطة والخدمة يتطلب آليات واضحة للمساءلة والشفافية، فالدولة التي تُخضع نفسها للمحاسبة تُشرك المواطن في صناعة القرار، وتمنع إحتكار السلطة.
ومن هذا المنطلق، إن الدولة الناجحة هي التي تُجيد استخدام سلطتها لتحقيق الصالح العام، وتجعل من مسؤوليتها الاجتماعية حجر الزاوية في سياساتها، فالتوازن بين السلطة والخدمة ليس مجرد شعار، بل هو أساس بناء مجتمع عادل ومتماسك، وفي زمن تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تصبح الحاجة ملحّة إلى دولة مسؤولة، وشفافة، وعادلة وتضع المواطن في قلب اهتمامها، وختامًا السلطة مسؤولية، والخدمة شرف؛ فاجعل من سلطتك جسراً لا عرشاً، "من لا يخدم، لا يستحق أن يقود" - نلسون مانديلا.