قطوف
«سميحة صالح خضير»
من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"

بين أوراق الزمن المصفرة، تسكن بطاقة تموينية يكسوها غبار الحكايات، بطاقة صغيرة تحمل اسمًا كبيرًا: سميحة صالح خضير. على هامشها، عنوان حىّ شعبى فى جنوب القاهرة، حيث كانت الجدة تتفيأ ظلال بيت متواضع، سقفه الخشبى يغنّى للمطر شتاءً، ويتصبّب عرقًا تحت شمس حزيران. هناك، كانت مواسم حياتها تتعاقب بين ربيع الزوج المكافح، وخريف تربية الأبناء التسعة.
مع الفجر، كانت تفتح نافذة الدعاء، تطرق أبواب السماء لسلامة بيتها، وتشعل موقدًا لا يخبز العجين فقط، بل يخبز الدفء فى قلوب من تحب. أصابعها تعزف على الطحين، وصوتها يهمس:
– الخبيز بدرى... يدفى القلب قبل المعدة.
فى عطلات الأسبوع، تتحول إلى فانوس يضىء دروب أبنائها نحو صلة الرحم، وتنتظر عودتهم بفرح يشبه انتظار المطر.
لكن الزمن، كعادته، مرّ حاملاً غرباله القاسي: غربل أبناءها، ففقدت اثنين فى ريعان الشباب، ثم ودّعت زوجها، وتبعته أبنتاها إلى الغياب. بقيت، رغم ذلك، واقفة كغصن زيتون فى مهب الريح، تحمى من تبقى من أبنائها من أمواج الحياة.
ثم رحلت... تاركة أثرًا أعمق من البحر، وأحنّ من الخبز الحار. صار اسمها وردة فى دعوات الأحفاد، وحكاية تُروى على ألسنتهم كما لو أنها صلاة مسائية.
واليوم، يقف الحفيد الأصغر أمام بائع التموين، يتسلّم حصته من الزيت والسكر، ويعلم أن البطاقة صارت اسمه وحده. يبتسم بمرارة... فهناك حصة أخرى، أكبر وأثمن، من ذكريات مدعّمة بالحب، لا تُصرف من مخازن الحكومة، بل من خزائن القلب، ولا تحذفها أى وزارة، إلا وزارة النسيان... وهو لن يوقّع أوراقها أبدًا