رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف فى حوار لـ«الوفد»:

«بناء الداعية» صناعة ثقيلة لمواجهة «شيوخ التريند»

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

الصهيونية العالمية تصنع جماعات لضرب استقرار المجتمعات الإسلامية

نسعى لتحصين المجتمع من التطرف.. وترسيخ الفهم الصحيح للدين

أرفض دعوات إلغاء التراث أو نسفه..و«التجديد» لا يعنى القطيعة مع الماضي

الغرب يغذى «الإسلاموفوبيا».. والإسلام برىء من العنف والكراهية

لا نية لخصخصة أموال الوقف.. ونستهدف تحويل الهيئة لكيان اقتصادى

«صحح مفاهيمك» و«منصة الأوقاف» خطوة فى طريق تجديد الخطاب الدينى

«دولة التلاوة» مسابقة لاكتشاف الجواهر والكنوز فى الحناجر الذهبية

التنوير الحقيقى استلهام لمقاصد الشريعة وليس خروجًا على الثوابت

التشدد والتخلف الحضارى والأمية الدينية والفضاء الإلكترونى أبرز أسباب الإلحاد

 

بابتسامته المعهودة وبشاشة وجهه الطيب وتواضع العلماء استقبلنى العلامة فضيلة الأستاذ الدكتور أسامة الأزهرى بمكتبه صباح الأربعاء الماضى، الوزير المسئول الأول عن ضبط بوصلة الدعوة والمساجد يسابق الزمن بخطوات ثابتة راسخة تنبع من رؤى استراتيجية واضحة تسير عليها وزارة الأوقاف لتحقيق أهدافها.

وللحق أقول إن الحديث مع العلامة الدكتور الأزهرى شائك شائق، شائك لأنك تخشى المهابة، فأنت أمام عالم كبير من العلماء الثقات بحجم المفكرين الأوائل، أولياء الله، الراسخين فى العلم والفكر العميق، يشهد بذلك القاصى والدانى، وشائق لعذوبة ألفاظه وأسلوبه الرائق المشوق لأن تستمع إلى كل لفظة فى حديثه.

«الأزهرى» جمع بين «الأصالة» و«المعاصرة»، إضافة إلى إتقانه فن الإدارة، فقد نجح بعد أن تولى حقيبة الأوقاف منذ عام على الأكثر أن ينقل الأوقاف بخطوات متسارعة إلى الصفوف الأولى بين المؤسسات الدينية فى مصر، حتى شهدت إنجازات متنوعة فى كافة مجالات العمل الدعوى والعلمى والمجتمعى، فقد وضع فى مقدمة أولوياته ترسيخ الفهم الصحيح للدين، وتوسيع نطاق الخطاب الدينى، ومؤخرًا نجح «الأزهرى» فى إطلاق المنصة الجديدة التى تعد درة إنجازات عامه الأول.

فى حوار مطول التقت «الوفد» الأستاذ الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف لترصد العديد من النجاحات التى تحققت على أرض الواقع بفضل جهود مخلصة محبة لدينها ووطنها وعمل دؤوب يقوده وزير الأوقاف، فإلى نص الحوار.

•    بداية... بعد مرور عام على توليكم منصب وزير الأوقاف، ما أهم الملفات التى تم إنجازها وما الخطة المستقبلية للوزارة تحت قيادتكم؟

•    شهدت وزارة الأوقاف خلال العام ٢٠٢٤/ ٢٠٢٥م، إنجازات نوعية فى مختلف مجالات العمل الدعوى والعلمى والمجتمعى، حيث كثّفت الوزارة جهودها فى نشر الفكر الوسطى من خلال آلاف القوافل الدعوية، ومجالس العلم والفقه، ومبادرات التوعية مثل «صحح مفاهيمك» بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، إلى جانب استمرار برنامج «مجالس الذاكرين» و«مجالس الفقه» بشكل منتظم فى جميع المحافظات.

كما أولت الوزارة اهتمامًا خاصًا بالواعظات، حيث نظمت لهن دورات تخصصية فى قضايا مجتمعية معاصرة، ووسعت لهن مجال المشاركة الفاعلة فى القوافل والندوات، إلى جانب تطوير مهاراتهن العلمية والدعوية؛ فضلًا عن استحداث منصب «مساعد وزير الأوقاف لشئون الواعظات» لأول مرة فى تاريخ الوزارة، واخترت له أستاذة جامعية قديرة وعالمة جليلة هى الأستاذة الدكتورة مروة ياسين.

وعلى صعيد التأهيل والإدارة، واصلت وزارة الأوقاف تطوير برامج التدريب المتقدم للأئمة والواعظات، وأصدرت مجموعة من المؤلفات الفكرية ضمن سلسلة «رؤية»، كما افتتحت ما يزيد على (١٤٠٨) مساجد، ما بين إنشاء جديد وتجديد شامل، مع التوسع فى استخدام التقنيات الحديثة لخدمة المساجد.

وفى مجال خدمة المجتمع، نجحت الوزارة فى دعم آلاف الأسر من خلال مشروع صكوك الأضاحى وصكوك الإطعام، بالتوازى مع جهود هيئة الأوقاف فى تنمية الأصول الوقفية وتعظيم عوائدها؛ بما يعزز من الدور الوطنى والدينى للوزارة فى بناء الوعى وصيانة القيم.

أما عن الخطة المستقبلية، فالسعى قائم من أجل إحداث نقلة نوعية فى أداء وزارة الأوقاف، من خلال رؤية واضحة تهدف إلى تعظيم دورها فى نشر الفكر الأزهرى الوسطى المستنير، وتحصين المجتمع من الأفكار المتطرفة، مع تحقيق التكامل بين رسالتها الدعوية والاجتماعية والاقتصادية، وأضع فى مقدمة أولوياتى ترسيخ الفهم الصحيح للدين، من خلال إعداد وتأهيل الأئمة والدعاة، عبر برامج تدريبية تجمع بين علوم الشريعة وعلوم الاجتماع والنفس والسياسة والاقتصاد؛ ليكون الداعية أكثر وعيًا بقضايا الواقع وأكثر قدرة على التفاعل مع متغيراته.

كما أحرص على توسيع نطاق الخطاب الدينى ليشمل القضايا المعاصرة التى تمس المجتمع، مثل البيئة والتنمية والتكافل الاجتماعى، مع إبراز البعد القيمى والأخلاقى للإسلام، وتعزيز مفاهيم المواطنة، وترسيخ ثقافة الحوار والتعايش، وأؤمن بأن الخطاب الدعوى يجب أن يكون معبرًا عن هموم الناس، وقادرًا على تقديم حلول عملية قائمة على فهم عميق لمقاصد الشريعة وروحها السمحة.

وفى الجانب المؤسسى، أضع ضمن أولوياتى الارتقاء بالمساجد عمرانيًّا ودعويًّا، لتكون مراكز إشعاع علمى وثقافى، وأحرص على تحقيق الانضباط الكامل على المنابر، بحيث لا يعتليها إلا المؤهلون علميًّا وفكريًّا وأخلاقيًّا.

كما أعمل على تعظيم عوائد الوقف واستثمار أمواله فى مشروعات تنموية تعود بالنفع على المجتمع، وتوفر فرص عمل وتدعم الفئات الأكثر احتياجًا، إلى جانب اهتمامى بتعزيز التعاون الدولى لنقل تجربة مصر فى نشر الفكر المستنير إلى مختلف دول العالم، والاستفادة أيضًا من الخبرات العالمية كما هى الحال فى تدعيم معهد التمريض التابع للوزارة بخبرات خارجية، ويضاف إلى ذلك قرارات مدروسة للارتقاء بأوضاع فئات من منسوبى الوزارة، وإحداث تطوير شامل بمستشفى الدعاة، فضلًا عن إطلاق المنصة الجديدة التى هى من درة إنجازات العام الأول.

•    أطلقت وزارة الأوقاف مؤخرًا مسابقة «دولة التلاوة» بمشاركة أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف المحافظات فماذا عنها؟

•    المسابقة ليست مجرد اختيار لحسن الحفظ، بل هى منصة لاكتشاف «الجواهر والكنوز» التى أودعها الله فى حناجر ذهبية تفيض جمالا وتبدع فى تلاوة القرآن، لتكون بمثابة أداة لاكتشاف خامات صوتية جديدة تليسق بكتاب الله، وأن نرى نماذج متألقة يجمعون بين جمال الصوت وروح الأداء ليكونوا قدوة فى مدرسة التلاوة المصرية وفى خدمة القرآن، فالغرض من المسابقة هو الإسهام فى رفد مدرسة التلاوة المصرية بأصوات جديدة، نادرة ومدهشة تواصل مسيرة العطاء القرآنى وتعيد للأذهان عظمة الأداء المصرى الذى طالما أمتع الدنيا بأصواته الخاشعة العذبة، ونحن نعتزم تقديم القراء المتميزين الذين ستبرزهم المسابقة لإمامة المصلين فى المساجد الكبرى خلال شهر رمضان المعظم ضمن استراتيجية متكاملة لتمكين الشباب الموهوبين وربط الأجيال الجديدة بجماليات التلاوة وروح المدرسة المصرية.

•    كيف تسهم منصة الأوقاف الرقمية الجديدة فى تعزيز الأمن الفكرى ومكافحة خطاب التطرف الرقمي؟ وما أهم أهداف هذه المنصة؟

•    تُسهم المنصة الرقمية الجديدة التى أطلقتها وزارة الأوقاف إسهامًا فعّالًا فى تعزيز الأمن الفكرى ومكافحة خطاب التطرف الرقمى من خلال عدة آليات متكاملة.

تعتمد المنصة على تقنيات حديثة، ولها مراحل للتطور كانت بدايتها بالمرحلة الأولى التى تشرفت بإطلاقها من المركز الإعلامى لمجلس الوزراء يوم ١٨ من يونيو ٢٠٢٥ بتشريف كريم من دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، علمًا بأن المرحلة الأولى تتضمن المحتوى المكتوب الموزع على أكثر من ٦٠ ألف صفحة، وتليها المرحلة الثانية التى من المقرر أن تضم أكثر من ٣٠٠ ألف صفحة مقترنة بتحويل جانب من ذلك المحتوى المكتوب إلى محتوى مرئى ومسموع لمخاطبة جميع الفئات العمرية بما يستهويها من طرائق العرض، ثم تحين المرحلة الثالثة التى ستصل بمحتوى المنصة إلى عدة ملايين من الصفحات وترجمة المحتوى إلى عدد من اللغات، إلى جانب إطلاق تطبيق للأجهزة الذكية لتيسير الولوج إلى المنصة حيثما ووقتما شاء المستخدم، فضلًا عن استحداث أداة للدردشة الآلية المعتمدة على الذكاء الاصطناعى بعد تغذيته بمادة علمية آمنة. وسيواكب ذلك أيضًا برمجيات لرصد وتتبع المحتويات الدعوية المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها، ما يمكنها من اكتشاف ومواجهة الخطابات المتطرفة والأفكار المغلوطة المنتشرة عبر الفضاء الإلكترونى. وعلى ذلك، يناط بالمنصة تقديم محتوى دينى موثوق ومتجدد ومتنوع المشارب بما يعكس المنهج الأزهرى الوسطى، ويُخاطب الشباب بلغتهم، بما يُسهم فى بناء الوعى الدينى الصحيح وترسيخ الثقة بين المؤسسات الدينية والجمهور الرقمى.

وتوفر المنصة أدوات ذكية لفلترة المحتوى ومواجهة الكراهية والتطرف، كما تتيح التفاعل المباشر مع الجمهور، وتُعد بذلك وسيلة حديثة لمواكبة العصر الرقمى فى العمل الدعوى، وتعمل على تمكين الأئمة والواعظات من إنتاج محتوى تفاعلى يعزز من قدراتهم الدعوية فى البيئة الرقمية، ويساعدهم على تقديم رسائل دينية معتدلة تحفّز التفكير النقدى وتدعم قيم التسامح والتعايش.

وبذلك تمثل هذه المنصة نقلة نوعية فى جهود الوزارة لمواجهة التطرف الفكرى، حيث تجمع بين التقنيات الحديثة والخطاب الدينى الوسطى لتوفير بيئة رقمية آمنة ومؤثرة، تُسهم فى تحصين المجتمع- لا سيما فئة الشباب- من الوقوع فى براثن الفكر المتشدد، وتفتح آفاقًا جديدة للخطاب الدعوى العصرى المتفاعل مع مستجدات الواقع.

ومن أجمل ما يميز المحتوى على المنصة أنه- إضافة لما سبق- يتناول الموضوع الواحد من زوايا متعددة، ما يعنى استكتاب عدد من ذوى المتخصصات المختلفة للحديث عن الحدث الواحد من منظورات دينية واجتماعية ونفسية وتاريخية ولغوية، وهكذا... وبذلك يحصل التنوع فى العرض، وتترسخ مفاهيم الثقافة الشاملة التى نريد بها توسيع مدارك الأئمة والخطباء واعتبارها منهجًا متبعًا لصقل المعارف لديهم ولتعزيز الأفهام بين الناس.

•    ماذا عن مبادرة «صحح مفاهيمك» وما الرسالة المقصودة منها؟

•    مبادرة «صحح مفاهيمك» هى إحدى المبادرات الرائدة التى أطلقتها وزارة الأوقاف ضمن استراتيجيتها لمواجهة خطاب التطرف، لا سيما على منصات التواصل الاجتماعى، وتهدف بالأساس إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة المنتشرة بين الشباب وغيرهم من بعض فئات المجتمع، ما قد يؤدى إلى الانحراف الفكرى، سواء نحو التطرف أو نحو السطحية والإلحاد، أو غير ذلك من المثالب السلوكية فى المجتمع.

وتسعى المبادرة إلى بناء وعى دينى مستنير قائم على النصوص الشرعية الموثقة، ومنهج الأزهر الشريف الذى يركز على الوسطية والاعتدال، مع تفنيد التأويلات الخاطئة والمغالطات المرتبطة بالدين والعلاقات الإنسانية، وتُبرز المبادرة قيم التسامح، والحوار، والتوازن فى فهم النصوص الشرعية وتطبيقها على الواقع، إلى جانب التصدى للمخالفات القيمية من قبيل الإدمان الرقمى، والغش فى الاختبارات، والتنازع الأسرى، والقيادة غير الآمنة، وغيرها من السلوكيات المؤثمة شرعًا وقانونًا وعرفًا.

أما عن وسائلها، فتعتمد المبادرة على الأدوات الرقمية الحديثة، وخاصة الفيديوهات القصيرة والتفاعلية، لتقديم رسائلها بأسلوب مبسط وجذاب يناسب طبيعة جمهور الشباب، مع التركيز على سهولة الوصول والتفاعل المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعى، بما يعزز من قدرتها على التأثير فى السلوك والفكر.

•    فى تصريح سابق لكم قلتم: «إن بناء الداعية صناعة ثقيلة لمواجهة شيوخ التريند»–فماذا فى جعبتكم لنجاح هذه الصناعة؟

•    أسعى إلى بناء داعية حقيقى يتمتع بتكوين علمى متين ومهارات عملية فائقة، بحيث يُعدّ هذا الداعية صناعة ثقيلة تواجه «شيوخ التريند» الذين يعتمدون على إجابات سطحية وسريعة، لكنها غالبًا ما تكون خاطئة. ولتحقيق ذلك، وضعنا برنامجًا متكاملًا لتدريب الأئمة يجمع بين علوم الشريعة والإعلام والتنمية البشرية ومهارات التواصل ومواجهة الشبهات، وذلك ليكون الإمام اليوم مفكرًا ومعلمًا ومثقفًا اجتماعيًا، لا مجرد ملقى خطبة.

لقد شرعنا فى تنفيذ هذه الخطة عبر إرسال الأئمة إلى الأكاديمية الوطنية والأكاديمية العسكرية المصرية للتدريب المكثف، وتزويدهم ببرامج تثقيفية بالتعاون مع عدد من مؤسسات الدولة، بما يضمن حصولهم على التدريب اللازم فى مجالات الدين والإعلام واللغة. كما نشجع الأئمة على استكمال دراساتهم العليا، ونوفر بعض مساراتها لهم بطريق المنح، ونكافئ من يجتهدون فى سبيل رفع كفاءتهم، وذلك لتأهيلهم للتعامل مع التقنيات ومنصات التأثير الحديثة التى يستخدمها الشباب اليوم.

ولتعزيز هذا النهج والتصدى للظواهر التى تنال من المحتوى الدينى ورجاله، نعمل على توفير بيئة عمل آمنة ومحترمة للإمام، مع تمكينه بكل ما يحتاجه من وسائل علمية ودعوية. علاوة على ذلك، نقدم للأئمة زادًا معرفيًا أسبوعيًا عبر المنصة، ونحثهم على بناء «مجتمع المسجد» من حولهم بالتواصل الفعال وتقديم القدوة الحسنة.

•    ماذا عن مبادرة «منابر الوعي» وإعادة هيكلة الخطبة الموحدة، ومشروع التكوين العلمى المتقدم للإمام؟ وما الهدف من ذلك؟

•    تهدف مبادرة «منابر الوعي» ومشروع إعادة هيكلة خطبة الجمعة الموحدة، وكذلك التكوين العلمى المتقدم للأئمة إلى تطوير الخطاب الدينى ليتفاعل بعمق مع الواقع الاجتماعى والثقافى المتغير، ويراعى المستجدات العلمية المتماسّة مع مختلف جوانب الحياة، ويواكب التحديات الفكرية والقيمية التى يواجهها المجتمع.

وقد حرصت وزارة الأوقاف على أن يكون هذا التطوير مبنيًّا على دراسات ميدانية دقيقة بالتعاون مع المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، كى ما يخاطب المنبر القضايا الحقيقية التى تمس المواطن فى حياته اليومية.

فى هذا الإطار، أعادت الوزارة هيكلة خطبة الجمعة لتتكوّن من شقين: الأول موحد على مستوى الجمهورية، يتناول موضوعًا دينيًّا عامًّا يخاطب همًّا وطنيًا عامًا مثل قضية ترشيد المياه، أو حب الوطن، وما أشبه.أما الشق الثانى أو الخطبة الثانية فتتنوع حسب طبيعة التحديات فى كل محافظة، بما يسمح بمعالجة قضايا محلية مثل الهجرة غير الشرعية، أو حقوق المرأة، أو مشكلات الصيادين، أو الإدمان. ويهدف هذا النموذج إلى تحقيق التوازن بين وحدة الخطاب الدعوى وخصوصية الواقع المحلى، لضمان وصول الرسالة الدينية بشكل فعّال ومؤثر إلى الجمهور.

أما مشروع التكوين العلمى المتقدم للإمام، فيسعى إلى إعداد خطيب متكامل يجمع بين البيان القرآنى والتأصيل العلمى والانفتاح الواعى على قضايا الواقع، ويكون قادرًا على أداء دوره الدعوى من خلال المسجد والمنبر والإعلام معًا، والهدف من ذلك هو تكوين شخصية دعوية تمتلك خطابًا عقليًّا وروحيًّا متوازنًا، وقادرة على تقديم الكلمة الرصينة والفكرة المستنيرة، بما يضمن بقاء الدعوة حيّة ومتجددة، وفاعلة فى حياة الناس.

•    هل هناك برامج دعوية من الأوقاف توجه للجاليات المسلمة فى إفريقيا وأوروبا لتصحيح الفكر المغلوط حول الإسلام والمحافظة على الهوية الإسلامية؟

•    نعم، لدى وزارة الأوقاف برامج دعوية موجهة للجاليات المسلمة فى إفريقيا وأوروبا وغيرهما، تهدف إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، ومواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا، والحفاظ على الهوية الإسلامية فى ظل التحديات الفكرية والثقافية التى تواجهها تلك الجاليات. وتُعد برامج الإيفاد الخارجى لأئمة الوزارة إحدى أبرز الأدوات الفاعلة فى هذا الإطار، حيث تُرسل الوزارة أئمتها وعلماءها بشكل دائم أو مؤقت إلى الدول الإفريقية والأوروبية والآسيوية والأمريكية الجنوبية، خاصة خلال المناسبات الدينية كشهر رمضان، لتقديم خطاب دينى وسطى يُبرز حقيقة الإسلام كدين رحمة وعدل وتسامح.

يتميز هؤلاء الأئمة الموفدون بأنهم لا يمثّلون أنفسهم فقط، بل يمثلون الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، ويُقدَّمون للعالم كنموذج للشخصية المصرية المعتدلة القادرة على الحوار والانفتاح.

ويُشترط فيهم التأهيل العلمى واللغوى والثقافى العالى ليتمكنوا من مخاطبة العقول بلغة العصر، والمشاركة الفعالة فى الندوات والحوارات بين الأديان والثقافات، وهم بذلك يُسهمون فى إعادة الثقة فى الإسلام الحضارى الذى يرفض العزلة ويُعلى من قيم التعاون والتعارف.

وتؤمن الوزارة أن معركة تصحيح صورة الإسلام ليست خطابًا عابرًا، بل معركة وعى وتواصل حضارى، لذا تعمل على تحقيق شراكات معرفية وثقافية مع مؤسسات دولية، وتُرسّخ من خلال مشروعها الدعوى المتكامل نموذجًا مصريًّا يُحتذى به فى التسامح الدينى والتوازن الفكرى، وبهذه الرؤية الشاملة تواصل وزارة الأوقاف دورها كجسر للحوار، وسفير للوسطية، ودرع لحماية الهوية الإسلامية فى الداخل والخارج.

•    قضايا التنوير الفكرى والاجتماعى... ماذا عن استراتيجية الوزارة للموازنة بين الحفاظ على هويتنا الدينية والانفتاح على الأفكار الحديثة؟

•    تقوم وزارة الأوقاف، ضمن استراتيجيتها الفكرية والاجتماعية، على تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على الهوية الدينية للأمة والانفتاح الواعى على الأفكار الحديثة، ويقوم هذا التوجه على قناعة راسخة بأن التنوير الحقيقى ليس خروجًا عن الثوابت، بل هو إحياء معرفى وفكرى منضبط ينطلق من الفهم الصحيح للدين، ويتفاعل مع مستجدات العصر لخدمة الإنسان والمجتمع؛ فالحكمة ضالة المؤمن.

وترى الوزارة أن التنوير لا يعنى استيراد الأفكار دون تمحيص، بل يعنى قراءة واعية لتراثنا الإسلامى، واستلهام مقاصد الشريعة، وتقديم خطاب دينى يجمع بين النقل والعقل، ويوازن بين التجديد والانضباط. وتحرص الوزارة فى هذا السياق على تطوير خطابها الدعوى ليكون مستنيرًا، متزنًا، قادرًا على استيعاب المعرفة الحديثة وتوظيفها لصالح المجتمع، دون التفريط فى الثوابت الدينية أو القيم الحضارية.

•    هيئة الأوقاف المصرية... ماذا عن استراتيجية الوزارة لتعظيم مواردها خلال المرحلة القادمة... وهل هناك نية لخصخصة الأوقاف؟

•    نتبنى فى وزارة الأوقاف رؤية استراتيجية طموحة لتعظيم موارد هيئة الأوقاف المصرية، تستهدف تحويلها إلى كيان اقتصادى وتنموى فاعل يسهم بجدية فى دعم الاقتصاد الوطنى والمشروعات المجتمعية والخدمية، مع الحفاظ التام على الضوابط الشرعية لأموال الوقف. وقد شرعت بالفعل فى تطوير البنية المؤسسية والفكرية للهيئة، إذ يجرى العمل على تحديث قواعد البيانات، وتفعيل منظومة التحول الرقمى، وتوحيد إجراءات التعاقد والتحصيل، ما أسهم فى رفع كفاءة الأداء بما يرتجى معه زيادة معدلات الإيراد.

وأؤكد بكل وضوح أنه لا نية على الإطلاق لخصخصة أموال الوقف، فلا مجال لهذا من الأصل فى ظل ضوابط دستورية وقانونية تنظم علاقة الواقف بالوقف وعلاقة ناظر الوقف (أى الوزارة) بالوقف وإدارته وفق شروط الواقفين. فالهدف إذًا هو الإدارة الرشيدة والواعية لتلك الأموال، بالشراكة مع مؤسسات وطنية كبرى، دون المساس بملكية الوقف. وأعمل بكل جد على استثمار الأصول غير المستغلة وتحويلها إلى كيانات اقتصادية منتجة، بما يعزز من دور الوقف فى تحقيق التنمية الشاملة، ودعم المشروعات الخدمية والإنسانية، واستعادة دوره الحضارى والإنسانى فى بناء الوطن ونهضة المجتمع.

كما أحرص على أن تعمل هيئة الأوقاف بروح الفريق المؤسسى المتكامل، القادر على التفكير الاستراتيجى خارج الصندوق، واستيعاب التحديات الاقتصادية الراهنة، مع التزام كامل بأعلى معايير الشفافية والحوكمة. وقد وجّهتُ بتكثيف برامج التدريب والتأهيل للعاملين بالهيئة، لرفع كفاءتهم وتحقيق الأداء الاحترافى المنشود، إلى جانب تعزيز الرقابة الداخلية وتفعيل أدوات المتابعة الميدانية والتقييم المستمر، بما يضمن حسن إدارة الوقف وتعظيم عوائده، وتحقيق الأهداف التنموية والاجتماعية التى أنشئ من أجلها.

•    كيف ترى موجات الإلحاد والتشكيك فى الدين فى العقود الأخيرة؟

•    تتبنّى وزارة الأوقاف نهجًا استراتيجيًّا متكاملًا لمواجهة الإلحاد، يقوم على دراسة معمقة لجذور الظاهرة وتحليل أسبابها، والتى حُصرت فى أربعة عوامل رئيسة: أولها الخطاب المتشدد للجماعات المتطرفة الذى يشوّه صورة الدين، وثانيها التخلف الحضارى الذى يدفع بعض الشباب للانبهار بالنموذج الغربى، وثالثها الأمية الدينية التى تجعلهم عرضة للشبهات، ورابعها الفضاء الإلكترونى المفتوح الذى يتيح انتشار الفكر الإلحادى بلا رقابة.

ولمواجهة هذه الظاهرة، وضعت الوزارة خطة شاملة تعتمد على أربعة محاور: تقديم خطاب دينى عقلانى يخاطب العقول بالحجة، وتفكيك الشبهات الإلحادية علميًّا وخاصةً فى مجالات الكونيات والأحياء والأعصاب، وتعزيز الثقافة الدينية بين الشباب من خلال المدارس والجامعات، إلى جانب الاستفادة من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة لنشر الفكر الوسطى وتصحيح المفاهيم المغلوطة. وتهدف هذه الجهود إلى تحصين الشباب وتعزيز الوعى الدينى المستنير.

•    الصهيونية العالمية تصنع جماعات لمحاربة الإسلام وإظهاره على أنه دين عنف وقتل... فما تعليقك؟

•    لا شك أن هناك محاولات ممنهجة من قبل قوى متعددة لتشويه صورة الإسلام والنيل من رسالته السامية، عبر صناعة جماعات متطرفة تنسب نفسها زورًا إلى الإسلام، وتتبنى خطابًا دمويًّا وعنيفًا يخالف جوهره القائم على الرحمة والعدل والتسامح. وهذه الجماعات، التى تُستخدم كأداة لضرب استقرار المجتمعات الإسلامية من الداخل، تُمكِّن القوى المعادية من تسويق صورة مغلوطة عن الإسلام فى الإعلام العالمى، لتبرير حملات الكراهية والعنصرية ضده، وتغذية ظاهرة «الإسلاموفوبيا» فى الغرب.

وهنا تبرز أهمية الدور الذى تقوم به مصر عمومًا ووزارة الأوقاف خصوصًا فى تصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام، ومواجهة هذا المخطط الخبيث، من خلال نشر الفكر الأزهرى المستنير، وتفنيد مزاعم الجماعات المتطرفة، وفضح ارتباطاتها المشبوهة، وتأكيد أن الإسلام بريء من العنف والكراهية، وأنه دين البناء لا الهدم، ودين السلام لا الصدام، وأن ما يُرتكب باسمه من جرائم إنما هو نتيجة لتوظيف الدين فى غير موضعه، لخدمة أجندات سياسية وأيديولوجية معادية للإنسانية كلها، فضلًا عن استقطاب ذوى النفوس المريضة أو المتربحة أو المضطربة لتنفيذ مخططات هدامة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة والدين. فلا مناص من العمل الجاد المستنير الآخذ بالعلم ورحيب المعارف فى المواجهة، وتحقيق التوعية فى سن مبكرة؛ وهذا أحد دوافعنا نحو مبادرة إحياء الكتاتيب ومبادرة صحح مفاهيمك.

•    هل تعتقد أن الحرص على التراث وتقديس السلف هو السبب وراء ما نراه من تناقضات بين المسلمين حتى إنهم فى الوقت الذى يتهافتون فيه على منتجات العقل الغربى المادية يعرضون عن تقبل المنتج الفكرى لهذا العقل؟

•    لا أرى أن الحرص على التراث أو توقير السلف هو فى ذاته سبب التناقضات التى نراها بين المسلمين اليوم، بل أرى أن الإشكال يكمن فى الجمود على بعض الأشكال التقليدية للفهم، أو تقديس الأشخاص أو جهودهم العلمية المحمودة، ما قد يؤدى إلى رفض غير مبرر لأى إنتاج فكرى جديد. أما التراث الحقيقى، فهو وعاء للمعرفة والتجربة، وقد شكّل الأساس الحضارى والعلمى والدينى الذى قامت عليه الأمة الإسلامية.

من هنا، فإن ما أدعو إليه هو الموازنة الواعية: نستلهم من تراثنا الأصيل ما يصلح للبناء عليه، ونُقبل على منجزات الفكر الإنسانى الحديث بعقلية نقدية منفتحة، نميز فيها النافع من الضار، ونُدمج المفيد منها فى سياقنا الحضارى والدينى، نحن نرحب بمنتجات العقل الغربى المادية، لكننا نحتاج إلى الشجاعة الفكرية لنقبل كذلك بالمفيد من منتجه الفكرى، ما دام لا يصادم ثوابتنا، بل يسهم فى نهضتنا، ويحقق مصلحة الإنسان فى إطار قيمنا العليا.

•    ما رأيك فى الدعوات إلى تنقية التراث الدينى وهل نحن بحاجة إلى التنقية وما المنهج المتبع للتعامل معه؟

•    أؤمن أن التراث الإسلامى يمثل كنزًا معرفيًّا هائلًا، تكوَّن على مدار قرون طويلة من الاجتهادات العلمية الرصينة التى أسهم فيها كبار علماء الأمة فى مختلف العصور. ومن ثم، فإننى أرفض كل الدعوات التى تتعامل مع التراث بمنطق الإلغاء أو النسف، لأن هذا التراث لم يكن يومًا واحدًا أو متجانسًا، بل هو متنوع فى بيئاته وزمانه ومكانه، ويجب علينا أن نتعامل معه بعين التقدير والتحقيق لا بعين الهدم أو التقديس الأعمى.

إن المطلوب فى عصرنا ليس «تنقية التراث» كما يردد البعض، وإنما «إعادة قراءته» قراءة علمية واعية، تفرّق بين ما هو نافع مستمر، وما تجاوزه الواقع الحديث.

ولا بد لهذه القراءة من أن تكون على يد خيرة العلماء المؤهلين الذين يجمعون بين الفهم العميق للنصوص، والإدراك الدقيق لسياقاتها وظروفها، ويتمتعون بقدرة على التمييز بين الثابت والمتغير، وبين ما يصلح لكل زمان وما هو اجتهادى محض، فالتعامل المنهجى مع التراث هو الذى يحميه من العبث وفى الوقت نفسه يجعله مصدر إلهام وتجديد.

كما أُحذّر من الوقوع فى فخ الجماعات المتطرفة التى تنتقى من بطون الكتب أقوالًا شاذة لتسويق فكرها الإقصائى والعنيف، فيُساء إلى التراث من حيث لا يدرى الناس. إن التراث الحقيقى الذى قامت عليه المدارس العلمية الكبرى فى الأزهر وغيره من المؤسسات، يقوم على السعة والرحمة والعقلانية.

ومن هنا فإننى أؤمن بأن التجديد الحقيقى لا يعنى أبدًا القطيعة مع الماضى، بل يعنى فهمه جيدًا، وتنقيته بالعلم والمنهج، وتقديمه بصورة تُسهم فى بناء الإنسان المعاصر، وتعزيز وعيه، وربط حاضر الأمة بمجدها الحضارى.

•    البعض يرى أن «التصوف» ثورة فى البناء الروحى للإنسان، فما موقفك من التصوف وما أثره فى الفرد والمجتمع؟

•    أؤمن بأن التصوف يمثل ثورة حقيقية فى البناء الروحى للإنسان، ليس لأنه مجرد مظهر تعبدى أو شعور وجدانى، بل لأنه علم عميق وممارسة راسخة تهدف إلى تزكية النفس وتطهير القلب وترسيخ قيم الإخلاص والتواضع والخشية والبذل والزهد والمحبة.

لقد تعلمت من أئمة التصوف الكبار- كالإمام الجنيد والغزالى والحارث المحاسبى- أن التصوف ليس انزواءً ولا انعزالًا عن الحياة، بل هو اندماج راقٍ فيها، بمنطق الإصلاح، والتهذيب والتزكية، ورؤية مستنيرة تستند إلى الشريعة وتنفتح على الحياة، من هنا. أدافع بقوة عن التصوف الصحيح بوصفه أحد أعمدة البناء الإسلامى الرشيد، وأعتبره جزءًا لا يتجزأ من هوية الأزهر الشريف ومن ميراثنا الحضارى.

التصوف كما أفهمه وأدعمه، ليس إلا ثورة داخلية على النفس الأمارة بالسوء، على الأنانية، وعلى التهافت على الدنيا، إنه تربية مستمرة على القناعة والرضا، والصدق والتواضع، والرحمة والخشية. وحين يُمارَس التصوف بهذه الروح، فإنه يُثمر فى الفرد شخصية متزنة هادئة، واعية بمقاصد الدين، متصالحة مع ذاتها ومجتمعها، لا تشغلها العداوات ولا تستهويها المظاهر، بل تعيش لتبنى وتصلح، وهذا النوع من الإنسان هو ما نحتاج إليه فى زماننا، لمواجهة طوفان القلق، والانفلات، والتطرف، والتشوه الأخلاقى.

وعلى مستوى المجتمع، فإن التصوف يُسهم فى نشر ثقافة المحبة، والتسامح، والتعايش، ويقف سدًا منيعًا فى وجه الفكر المتشدد الذى يحوّل الدين إلى أداة صراع.

إننى أرى فى التصوف الصحيح خط الدفاع الأول عن روح الإسلام الحقيقية، التى تُعلى من شأن الإنسان، وتُحسن إلى الخَلق، وتُشيع السلام الداخلى والخارجى، لذلك أدعو دومًا إلى إعادة الاعتبار لرموز التصوف، وتعليم الأجيال الجديدة معانيه النبيلة، لأنه ليس ترفًا روحيًا، بل هو ضرورة إنسانية، وطريق عظيم لإحياء الضمير، وترميم المجتمعات من الداخل.

•    أخيرًا... لماذا انحرف التصوف عن مساره حتى ظهر تيار الأدعياء الآن أو ما يطلق عليه «دولة الدراويش»– بمعنى: ما الأسباب وما ردك على من يقولون إن لكل ولى كرامة؟

•    أؤمن بأن التصوف، فى جوهره، علم شريف وسبيل ربانى لتهذيب النفس وتزكيتها، ووسيلة راقية لتقريب العبد من ربه على بصيرة. وقد نشأ التصوف داخل رحم الإسلام، متكئًا على القرآن الكريم والسنة النبوية، ورافدًا من روافد العلوم الإسلامية العريقة، غير أننى أقرّ بأن التصوف -كما هى الحال فى كل مسار بشري- لم يَسْلم من الانحراف حين غاب عنه العلماء المربون، وانفصل عن العلم، واستُغِل اجتماعيًا، فانحرف بعض أدعيائه عن طريقه الأصيل، وظهر ما أسميه بـ«دولة الدراويش»؛ حيث غلب الجهل على البصيرة، وتقدمت الخرافة على الحقيقة، وأُحيط بعض الأشخاص بهالة من التقديس بعيدًا عن معيار العلم والتقوى.

وفى هذا السياق، أرى أن القول إن «لكل ولى كرامة» قول يحتاج إلى ضبط شرعى، لأن الكرامة ليست دليلًا على الولاية، ولا يُعوَّل عليها فى معرفة مقام الإنسان عند الله.

الكرامة الحقيقية فى نظرى هى الاستقامة والثبات على الشريعة، لا الطيران فى الهواء أو المشى على الماء، وقد قال الإمام الجنيد – شيخ الصوفية – قولته الجامعة: «اعرضوا أقوال القوم على الكتاب والسنة»، فليس كل خارقة تدل على قرب، ولا كل من ادعى كرامة يُؤخذ له بظاهر الحال، بل المعيار هو الورع، والاتباع، والصدق، والاتزان.

ولذلك، فإننى أؤكد أن التصوف الحق لم ينحرف، وإنما الانحراف وقع ممن انتسبوا إليه زورًا وبهتانًا، وأدعو اليوم إلى إعادة الاعتبار للتصوف الأصيل، كما تبلور فى مدرسة الإمام الجنيد، والغزالى، والجيلانى، وغيرهم من الأكابر، من خلال خطاب عصرى يجمع بين عمق المعنى وصفاء الروح، وينقّى الساحة من مظاهر الخرافة والدجل، ويعيد للتصوف بريقه التربوى والفكرى والأخلاقى. التصوف عندى ليس عالمًا غريبًا عن الدين، بل هو روح الدين، متى كان منضبطًا، مستنيرًا، قائمًا على العلم لا على الهوى ولا على التربّح، بل على الصلة الصادقة بالله عز وجل والمحبة الخالصة لرسوله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهديه الأشرف.