تأملات
تثير الجولة التى يقوم بها توماس براك المبعوث الأمريكى الخاص الى لبنان وسوريا الكثير من الشكوك فى ضوء ما تشير إليه تصريحاته وتركيزها على قضية نزع سلاح حزب الله، دون ربط ذلك بخطة شاملة تحل مشاكل لبنان فى إطار صراعه مع إسرائيل. وإذا كان من الصحيح أن واقع وجود حزب الله على النحو القائم عليه يعتبر مسالة شائكة وشاذة فى ضوء حقيقة أنه يمثل وفق التوصيف السائد دولة داخل الدولة، فإن المسألة فى النهاية تبقى قضية داخلية ينبغى على القيادات اللبنانية حلها وفق الصيغة المناسبة والتى تحفظ للدولة أمنها وسلامتها.
ورغم أن الحزب قد أصابه الوهن جراء الضربات التى لحقته فى الاونة الأخيرة من قبل إسرائيل على نحو يمكن القول معه بأنه خرج من معادلة الصراع مع الدولة العبرية على خلاف ما كان عليه الوضع حتى العام الماضى، إلا أن المسعى الأمريكى والذى من المؤكد أنه يأتى بتحريض وترتيب إسرائيلى يمثل فى النهاية نوعًا من ضمانة الأمن لإسرائيل وبالمجان. واذا كان لذلك من دلالة فإنها تعكس عمق الانحياز الأمريكى للأهداف الإسرائيلية ومساعى تعزيز هيمنتها فى المنطقة، وفى ذات الوقت مواجهة النفوذ الإيرانى والذى يمثل حزب الله امتدادًا له.
وإذا كان المعارضون للحزب وهم كثر فى لبنان ينطلقون من مبدأ ان الحزب ليس له أن يلعب مثل هذا الدور، وهم محقون فى ذلك إذا نظرنا للأمر من زاوية قطرية ضيقة تخص لبنان وطبيعته الهشة، وأن كون الحزب إحدى أذرع المقاومة قد جر إلى البلاد حالة من الخراب بسبب العدوان الإسرائيلى، إلا أن إصرار الولايات المتحدة على مثل هذه الخطوة ربما تجر قدرًا أكبر من الخراب إلى لبنان يعود به مرة ثانية الى أتون الحرب الأهلية التى قضت على الأخضر واليابس واستمرت لأكثر من 15 عامًا ولم تنته إلا بفعل تطور إقليمى تمثل فى تبعات وترتيبات ما بعد الغزو العراقى للكويت عام 1990. ومما يبرر هذا التخوف رفض الحزب التخلى عن سلاحه، حيث حرص الحزب قبل وصول الوفد الأمريكى إلى بيروت على تجديد رفض تسليم سلاحه.
ربما يقول البعض أن ذلك النهج الأمريكى والمتعلق بالتماهى مع الأهداف الإسرائيلية ليس جديدا، وهو أمر صحيح، غير أن مصلحة لبنان يجب فى الوقت ذاته أن يكون لها الاولوية وعلى هذا ربما كان من الأوفق أن يقدم المبعوث الأمريكى على التوصل الى تفاهمات تتعلق بانسحاب إسرائيل من الأراضى التى تحتلها فى جنوب لبنان واستعادة الدولة اللبنانية لسيادتها على كامل أراضيها لتكون رسالة طمأنة ومسوغ لمسعى القيادات فى لبنان لتحقيق هدف نزع سلاح حزب الله باعتبار أن الهدف من ذلك السلاح، على الأقل فى المدى المنظور، لم يعد موجودًا، وهو أمر للأسف تسير الولايات المتحدة على النهج المخالف له وهو ما يبدو من تصريحات نائبة براك والتى أشارت الى أن خطوات الحكومة اللبنانية ستشجع إسرائيل على اتخاذ خطوات مقابلة. ولعله من الغريب هنا مطالبة لبنان بالخطوة الأولى، لتقوم بعدها إسرائيل، بتقديم اقتراح مقابل عند تسلم الخطة اللبنانية.
فى كل الأحوال فإن قضية نزع سلاح حزب الله قضية ملغومة ومليئة بالمخاطر، ويجب على اللبنانيين كافة أن يضعوا فى اعتبارهم أن واشنطن وتل أبيب إنما تحركانهم فى إطار أهداف خاصة بهما ليست لها علاقة باستقرار لبنان، الأمر الذى يفرض قدرًا أكبر من الحذر عند التعاطى معهما حتى لا يتم جر الدولة اللبنانية ثانية إلى هاوية سحيقة ليس لها من قرار!