لعل وعسى
جاءت فكرة تحويل مصنع الحديد والصلب إلى مصنع للغزل والنسيج لتحمل تداعيات اقتصادية وبيئية واجتماعية هامة، تشمل الحاجة لاستثمارات ضخمة لإعادة تجهيز البنية التحتية وتغيير طبيعة العمليات، وتحديات تقنية فى دمج التقنيتين، إضافة إلى ضرورة تدريب عمالة جديدة والتكيف مع متطلبات صناعة مختلفة، وهو ما قد يؤثر على العمال الحاليين. فتحويل مصنع فى قطاع أساسى مثل الحديد والصلب إلى قطاع استهلاكى مثل الغزل والنسيج يعنى تغييرًا جذرياً فى سلسلة التوريد ومتطلبات المواد الخام والمنتجات النهائية. فنحن ندرك أن صناعة الملابس الجاهزة تعد من الصناعات المستهدف زيادة القدرات الإنتاجية المحلية فيها، باعتبارها من الصناعات كثيفة العمالة وقليلة استهلاك الطاقة، والتى تتمتع فيها مصر بسمعة طيبة، فضلاً عن امتلاكها جميع المقومات للنهوض بهذه الصناعة، بما فى ذلك توافر المواد الخام والأيدى العاملة المدربة والماهرة، إضافة إلى الإمكانات التكنولوجية والمعرفية اللازمة للارتقاء بجودة المنتجات، كما أن هذا الطرح يعكس توجه الحكومة نحو إعادة هيكلة الخريطة الصناعية فى مصر بما يتماشى مع الأولويات الاقتصادية، ويعزز مكانة البلاد كمركز إقليمى فى الصناعات التحويلية والتصديرية كبداية لتحقيق مستهدفات التصدير فى مصر الى 100 مليار دولار فى عام2027 وتصل الى 145 مليار دولار بنهاية عام 2030، لذلك فإننا نرى أن الحفاظ على البيئة أمر فى غاية الأهمية فى إطار تعظيم عملية التنمية المستدامة، فقرب صناعات ملوثة من التجمعات السكانية أمر لا يتسق مع القوانين والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، وبالتالى فإن فكرة إعادة توظيف موقع حلوان الصناعى التاريخى، تأتى فى إطار تعظيم الاستفادة من الأصول الصناعية القائمة، وتوجيهها إلى صناعات تحقق قيمة مضافة أعلى، مع التركيز على تعزيز التشبيك بين حلقات الإنتاج وتعميق الصناعات المكملة للملابس الجاهزة، بما يقلل من فاتورة استيراد مستلزمات الإنتاج. خاصة وأن الإنتاج السنوى لشركة الحديد والصلب بحلوان أقل من 1% من إجمالى إنتاج مصر من الصلب سنويًا، كما بلغت خسائر الشركة فى العامين الماليين الأخيرين قبل إعلان التصفية فى 2021، 1.5 مليار جنيه فى العام المالى 2018-2019، ثم مليار جنيه أخرى فى العام لمالى التالى له، فى الوقت الذى يقضى فيه قانون شركات قطاع الأعمال رقم 203 لسنة 1991 أن الشركة تخضع للتصفية إذا تجاوزت الخسار السنوية حاجز الـ50% من رأس المال. كما قفزت المديونيات على الشركة قبل التصفية مباشرة إلى 9 مليارات. وهو ما دعم التوجه لاتخاذ قرار التصفية بشكل نهائى لشركة الحديد والصلب بحلوان. التفكير فى تحويل الشركة إلى تصنيع الغزل والنسيج تحديدًا جاء بهدف توفير مزيد من المصانع الجاهزة للمستثمرين الأجانب، كما أن الكثير من المستثمرين الجدد يبحثون عن فرص استثمارية جاهزة بغرض ضخ الاستثمارات ومن ثم العمل مباشرة، وأغلبهم يرفض الانتظار لعام أو عامين لحين تأسيسهم مشروعات من الصفر، وربما هذا السبب كان أحد الاتجاهات الداعمة لنظرية تحويل الشركة إلى الغزل والنسيج، ويكفى أن نؤكد أن أساس التبادل الدولى بين المجتمعات المختلفة أنه كل مجمع يتخصص فى إنتاج السلعة التى يستطيع بيعها فى الخارج بسعر أقل، وفى الوقت نفسه فإن كل مجتمع يسعى لاستيراد السلع التى لا يستطيع إنتاجها، ويستند قيام التبادل الدولى إلى ظاهرة التخصص وتقسيم العمل الدولى، فكل دولة تتخصص فى السلعة التى تتفوق فى إنتاجها وتصدر الفائض لدول أخرى لا يمكنها التخصص فى هذه السلع. مصر تسعى إلى زيادة الصادرات ما انعكس على تصيح أوضاع عمليات التبادل التجارى فقيام التجارة الدولية الجيد يؤدى إلى تخصص كل دولة فى إنتاج عدد من السلع والخدمات، بحيث تنتج من هذه السلع ما يكفى الطلب المحلى والأجنبى. كذلك زيادة الإنتاجية من خلال تخصص كل دولة فى إنتاج السلع والخدمات. أيضاً قد يؤدى التخصص إلى توزيع أكثر كفاءة للموارد الاقتصادية على مستوى العالم. مع عدم إغفال أنه عند حدوث التجارة بين دولتين، فإن السؤال المطروح يكون عن نسب المبادلة بحيث كلما نقصت الكمية من السلعة التى يتم تصديرها مقابل ما نحصل عليه من السلع المستوردة، كان النفع من التجارة يميل لصالح الدولة المصدرة. وللحديث بقية إن شاء الله.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام