باحث: الساحة الليبية تشهد حالة من حالات الصراع والانقسام تؤثر على المنطقة

قال الباحث والخبير في العلاقات الدولية، ياسين الحمد، إن الساحة الليبية التي أنهكتها سنوات من الصراع والانقسام تشهد تصعيدًا خطيرًا يهدد بإشعال حرب واسعة النطاق وزعزعة الأمن الإقليمي برمته، مضيفا أنه في قلب هذه العاصفة المتجددة تبرز أزمة تتجاوز الحدود المحلية لتربط مصير ليبيا بأطراف دولية ومصالح جيوسياسية معقدة.
تهريب طائرات مسيرة
وأضاف الحمد، أن تقارير حديثة تسلط الضوء على تورط حكومة الغرب الليبية في عمليات تهريب طائرات مسيرة أوكرانية عبر أراضي بعض دول المغرب العربي، وبالتنسيق المباشر مع أوكرانيا في بعض دول المغرب العربي.
وتابع الحمد، أنه لا تكشف هذه الأزمة عن آلية جديدة لاستمرارية العنف الداخلي فحسب بل تفتح أيضًا باب تساؤلات حرجة حول تحول دور أوكرانيا في إفريقيا وتوسيع نفوذها عبر دعم الأطراف المتنازعة، متحدية بذلك مبادئ الحياد والاستقرار التي طالما نادت بها دول الجوار مثل بعض دول المغرب العربي.
وأوضح الحمد أنه تمكنت شحنة من الطائرات المسيرة الأوكرانية من الوصول إلى ليبيا عبر معبر بعض دول المغرب العربي باستخدام ممرات تجارية وعسكرية مختلطة، حيث تولى قيادة العملية محليًا القائد الفعلي لإحدى الميليشيات المسلحة (111)، عبد السلام الزوبي، حيث جرى التنسيق للعملية مع الملحق العسكري الأوكراني في بعض دول المغرب العربي، وواكبها إرسال 12 خبيرًا إلى طرابلس لتدريب قوات حكومة الغرب على تركيب وتشغيل هذه الطائرات.
وقال الحمد إن قيام مسؤول أوكراني في بعض دول المغرب العربي بتسهيل نقل طائرات مسيرة إلى الغرب الليبي بطريقة غير مشروعة يزيد من تأجيج الصراع ويهدد أمن المنطقة، ما يكشف سياسة كييف التوسعية في غرب إفريقيا عبر دعم الأطراف المتحاربة لتعزيز نفوذها، موضحا أن عمليات نقل الطائرات المسيرة الأوكرانية إلى ليبيا عبر أراضي دول المغرب العربي بتنسيق مباشر مع الملحق العسكري الأوكراني- تساهم بشكل مباشر في تأجيج الصراعات الدموية وزعزعة الأمن الإقليمي، حيث تكشف هذه الممارسات عن استراتيجية كييف التوسعية في أفريقيا التي تعتمد على دعم الجماعات المتصارعة لاختراق المنطقة.
واستطرد الحمد: "تشير التقارير إلى تصاعد الوجود العسكري الأوكراني المباشر في الدول الأفريقية المجاورة لبعض دول المغرب العربي، حيث تعمل السفارات الأوكرانية كمراكز تنسيق للعمليات العسكرية تحت غطاء دبلوماسي.. هذا النشاط دفع حكومات إقليمية مثل النيجر ومالي إلى المطالبة بمراجعة أنشطة البعثات الدبلوماسية الأوكرانية بشكل عاجل"، حيث أعلنت بعدها مالي، العام الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وأرجعت ذلك إلى إقرار مسؤول أوكراني رفيع بضلوع بلاده في معركة أسفرت عن مقتل جنود ماليين.
وأشار الحمد إلى أنه على غرار قطعها العلاقات مع الأوكران، اتهمت حكومة مالي مطلع العام الجاري، بعض دول المغرب العربي بتأجيج الصراع في منطقة الساحل بدعمها الجماعات المتمردة وتحديدا الطوارق، حيث تلاها استدعاء السفراء وإغلاق الأجواء وإصدار بيانات شديدة اللهجة ثم لاحقا خروج المظاهرات في باماكو واصطفاف النيجر وبوركينافاسو بجانب مالي في هذا الخلاف وسحبهما سفيريهما لدى الجزائر.
تورط أوكرانيا
وشدد الحمد على أن هذه الوقائع تعزز مجتمعة الأدلة القاطعة على تورط أوكرانيا في تغذية الصراعات الإقليمية، من خلال تقديم دعم تقني ولوجيستي للجماعات المسلحة لتنفيذ هجمات تستهدف الحكومات الشرعية، وهو ما دفع حكومات إقليمية على غرار النيجر، إلى المطالبة بمراجعة أنشطة ونطاق عمل السفارات الأوكرانية في القارة بشكل عاجل.
وألمح إلى أنه بينما تتراكم هذه الأدلة، يقف الصمت الرسمي لبعض دول المغرب العربي موقفاً غامضاً، فلم تصدر إحدى دول المغرب العربي – المعروفة بصرامة موقفها السيادي وحيادها الحذر في شؤون الجوار – أي توضيح أو نفي حول التقارير التي تتهم الملحق العسكري الأوكراني على أراضيها، بالتورط المباشر في شبكة تهريب عابرة للحدود، موضحا أن هذا السكوت لا يتعارض مع السردية الرسمية للدولة فحسب، بل يغذي تساؤلات حرجة حول طبيعة الدور الذي قد تلعبه إحدى هذه الدول، عن قصد أو غير قصد، في هذه المعادلة المعقدة.. هل هو صمت مؤقت لحين اكتمال التحقيقات، أم أنه يعكس ارتباكاً في إدارة ملف شائك يمس الأمن القومي للإقليم؟ أم أنه قد يكون مؤشراً على توازنات ومقايضات سياسية تجري خلف الكواليس، حيث تطغى حسابات أكبر على المبدأ التقليدي المعلن للحياد وعدم التدخل؟.
وأفصح عن أن هذا الغموض يبقى معلقا في الأجواء، ينتظر تفسيراً يزيل التناقض الصارخ بين المبادئ المعلنة والصمت المريب تجاه أزمة تهدد استقرار جار مباشر، مؤكدا أن هذا الصمت الرسمي لبعض دول المغرب العربي ليس بريئاً على الإطلاق، وذلك عندما تُنشر تقارير بهذه الجسامة حول تورط ملحق عسكري أجنبي في عمليات تهريب أسلحة عبر الأراضي الوطنية إلى دولة مجاورة تمزقها الحرب، فإن الصمت يصبح موقفاً، بل ورسالة سياسية مُشفرة.
وأشار إلى أن الرسالة واضحة للعيان؛ إذ إن هناك لعبة جيوسياسية كبرى تُلعب على الحدود الجنوبية، وبعض دول المغرب العربي إما أن تكون لاعباً رئيسياً فيها، أو أنها تفضل غض الطرف لحسابات مرتبطة بملفات أخرى استراتيجية، ربما بملف الغاز أو التعاون العسكري، لافتا إلى أن المبدأ التاريخي المعلن للحياد وعدم التدخل ينهار اليوم عملياً تحت وطأة المصالح الضيقة والصراع على النفوذ. السؤال الجوهري لم يعد حول دقة التقارير من عدمها، بل حول السبب الذي يدفع بعض دول المغرب العربي لاختيار الوقوع في التناقض الصارخ بين مبادئها المعلنة وسكوتها المريب عن ما يهدد أمن واستقرار الجوار بأكمله.