لعل وعسى
تناولنا فى المقال السابق سعى المجموعة الاقتصادية نحو مواصلة جهودها في ملف إعادة هيكلة الهيئات الإقتصادية التي يصل عددها إلى 59 هيئة عبر إتخاذ مجموعة من الخطوات التنفيذية الجادة. ولكن على أرض الواقع فإن هذه الهيئات الإقتصادية تفتقر بشكل عام إلى الأداء المالي القوي، ويرجع ذلك إلى ضعف مجالس إدارات هذه الهيئات التي تم إختيارها ، يضاف إلى ذلك خلل الهيكل الإداري وإرتفاع أعداد العمالة مقارنة بالإحتياجات الفعلية، وأن الظروف المحيطة تتطلب السعى نحو تصحيح لهذه الهيئات الاقتصادية،والتأكيد على ضرورة مراعاة القواعد المحاسبية في إحتجاز الإحتياطيات اللازمة للوفاء بالإلتزامات المستقبلية لضمان الإستمرارية فى مجتمع الأعمال المحاط بخطوط عدم اليقين العنكبوتية، لذلك نرى أن البرنامج الوطني للإصلاح الإقتصادي والهيكلى له من الخطوط والخيوط ما يجعله جديراً بالتعاون مع شركاء التنمية الدوليين للحصول على تمويلات دعم الموازنة لمساندة تنفيذ إصلاحات هيكلية من شأنها تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية، وتحسين بيئة الأعمال والتعزيز من قدرة الاقتصاد الكلي على الصمود أمام الصدمات الخارجية، ودعم الإنتقال الأخضر، وفتح آفاق مستقبلية لتنمية شاملة ومستدامة. كما نرى أن الإسترشاد ببعض النماذج العالمية خاصة دولة رواندا الأفريقية ليس عيبا ،فدولة رواندا تبنت إستراتيجية شاملة لإعادة بناء الدولة، تمحورت حول إنشاء مؤسسات حكومية عالية الأداء، وقد إستند نجاح هذه المؤسسات إلى ثلاثة عوامل رئيسية تتمثل فى العامل السياسي عبر تركيز السلطة بيد الحكومة، مما أدى إلى تنفيذ خططها دون معارضة كبيرة. ايضاً العامل التنظيمي: الذي تجلى في وجود قيادة فعالة تعتمد على تحديد مهام واضحة وقابلة للقياس. أما العامل الأخير فهو العامل العابر للحدود عبر إسهامات المجتمع الدولي في إعادة بناء رواندا، من خلال المساعدات المالية لدعم البنية التحتية والخدمات الأساسية، والدعم التقني والإستشارى.
ولكن يجب أن نكون أكثر واقعية ومصداقية بالتأكيد على أن القواسم المشتركة لجميع النماذج العالمية فى مجال إعادة هيكلة الهيئات والمؤسسات الإقتصادية بها قد قامت على ، أولا: تأهيل الكوادر الوطنية، وإطلاق برامج تدريبية مكثفة لتمكين الشباب وتأهيلهم. ثانياً: أن النساء شكلت جزءاً أساسياً من استراتيجية التعويض وإعادة البناء، حيث تولت العديد منهن أدواراً قيادية في المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، مما ساعد في سد النقص في الموارد البشرية وتعزيز الإستقرار الإجتماعي. ثالثاً:تصحيح أوجه القصور الإداري، وتوجيه الموارد بشكل أكثر فعالية، عبر خلق جيوب من الفعالية، مع تحسين البنية التحتية ودعم القطاع الخاص وتنمية الموارد البشرية.رابعاً: تنفيذ إصلاحات مؤسسية لتعزيز الحوكمة الرشيدة، والإنضمام إلى الإتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد، مع تأسيس لهيئات رقابية فعالة وذات جدارة، إلى جانب إطلاق حملات توعية لتعزيز دور المواطنين في التصدي للفساد. خامساً: إجراء مراجعات مالية دورية لمتابعة تنفيذ السياسات والكشف عن أية تجاوزات مالية محتملة، مع وضع آليات فعالة لمراقبة السياسات الحكومية لضمان تحقيق الأهداف المرسومة، وتعزيز الشفافية في المستويات الإدارية كافة. سادساً: التركيز على الإستثمار فى رأس المال البشري عبر تحسين التعليم والصحية، مع تدعيم كامل للتجارة الخارجية، من خلال تعظيم للصادرات ،وتنظيم للواردات،وترتيب للإستثمارات الأجنبية. ومن جانبنا فقد قطعنا أشواطاً كبيرة في إصلاح الهيئات الحكومية،وإعادة بناء الدولة بعد فترة صعبة من خلال رؤية قيادية حازمة، وإصلاحات مؤسسية شاملة، وجهود متواصلة لمكافحة الفساد، ومع ذلك لا يزال الطريق أمامنا طويلاً، حيث نواجه تحديات مستمرة في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.وهو ما سنتناوله فى المقال القادم إن شاء الله.
رئيس المنتدى الاستراتيجي للتنمية والسلام