تُعَد الهوية الثقافية ركيزة أساسية من ركائز بناء الأمم، فهي تُجسد التاريخ، والقيم، والعادات والتقاليد، واللغة، والفنون التي تميز شعبًا عن آخر.
وفي ظل التحديات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة، من عولمة وتكنولوجيا وتغيرات اجتماعية واقتصادية متسارعة، يبرز دور الدولة كمؤسسة رئيسية في حماية الهوية الثقافية وضمان استمرارها، وتطورها بطريقة تُحافظ على جوهرها.
مفهوم الهوية الثقافية المصرية:
الهوية الثقافية المصرية هي مزيج متنوع من الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر، بدءًا من الحضارة الفرعونية مرورًا باليونانية، والرومانية ثم الإسلامية والقبطية، ووصولًا إلى الثقافة الحديثة، وهذا التراكم الحضاري الغني أعطى مصر طابعًا ثقافيًا فريدًا يتجلى في الفنون، والعمارة، والأدب، والموسيقى، واللغة، والعادات اليومية.
تحديات تواجه الهوية الثقافية المصرية:
رغم هذا الغنى تواجه الهوية الثقافية المصرية تحديات عديدة، من بينها:
العولمة الثقافية، التي تؤدي إلى تراجع الخصوصية الثقافية وإنتشار القوالب الثقافية الغربية، ووسائل الإعلام غير المنضبطة التي تروّج أحيانًا لمحتوى بعيد عن القيم الأصيلة للمجتمع، والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تخلق فجوة بين الأجيال في فهم وتقدير التراث، وضعف التعليم الثقافي والفني في بعض المراحل التعليمية، ما يقلل من وعي الأجيال الجديدة بثقافتهم.
دور الدولة في حماية الهوية الثقافية المصرية:
تقوم الدولة بعدة أدوار إستراتيجية لحماية وتعزيز الهوية، الثقافية المصرية ومنها:
السياسات الثقافية والتشريعية، تسن الدولة قوانين لحماية الآثار، ومنع تهريبها، والمحافظة على المواقع التراثية، كما تدعم المؤسسات الثقافية كالمجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة.
دعم الفنون والتعليم الثقافي، تُشجع الدولة على نشر الثقافة والفنون من خلال إنشاء المدارس الفنية، والمعاهد الثقافية، والجامعات التي تدرّس تاريخ مصر وتراثها، وتُقام مهرجانات ومسابقات تُعزز الانتماء الوطني والوعي الثقافي.
الإعلام الثقافي، توظف الدولة وسائل الإعلام الرسمية لنشر القيم الثقافية، وتسليط الضوء على رموز الفن والثقافة، وإنتاج أعمال درامية، وسينمائية تعكس الهوية المصرية وتُعزز الانتماء.
حماية التراث المادي، واللامادي، تعمل الدولة من خلال وزارات مثل وزارة الثقافة، والسياحة والآثار على تسجيل المواقع التراثية، وإدراج بعض عناصر التراث غير المادي على قوائم اليونسكو، كفن التحطيب والمولد.
تعزيز دور الشباب، تُولي الدولة اهتمامًا خاصًا بالشباب عبر تنظيم المعسكرات والأنشطة الثقافية في الجامعات ومراكز الشباب، مما يخلق جيلًا واعيًا بهويته، وقادرًا على الحفاظ عليها وتطويرها.
ومن هذا المنطلق، إن الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية مسؤولية جماعية، تبدأ من الدولة، وتمر بالمؤسسات، وتنتهي بالمواطن، فالدولة تُشكّل الإطار الحامي، ولكنها بحاجة إلى وعي شعبي يثمّن هذه الهوية ويعتز بها، وفي ظل التحولات العالمية يظل الحفاظ على الثقافة الوطنية من أهم أدوات الاستقلال الحضاري وبناء المستقبل، وختامًا "الثقافة هي روح الأمة، وإذا فقدت الأمة ثقافتها فقدت روحها وهويتها، وعلى الدولة أن تضمن لها الحياة" - طه حسين.