نصيب القرى من مشروعات الحكومة:العطش والظلام
يعانى قلب القرى المصرية معاناة صامتة، جراء إهمال متزايد فى الخدمات الأساسية والبنية التحتية، تعانى هذه المناطق من تدنى مستوى الطرق، وتدهور شبكات الصرف الصحى، ونقص حاد فى مياه الشرب الصالحة، وضعف خدمات الاتصالات، مما يؤثر بشكل مباشر على جودة حياة السكان، ورغم وعود المسئولين، لا تزال التحديات قائمة، ما يستدعى تسليط الضوء على هذه القضية الملحة.
البحيرة .. «الهلباوى» بين الظلام والبوار

تسود حالة من الاستياء الشديد بين أهالى قرية الهلباوى التابعة لمركز كفر الدوار، بسبب نقص العديد من الخدمات الضرورية، ومنها إلغاء طريق المقابر، واختفاء مياه الرى.
انتقلت «الوفد» إلى قرية الهلباوى التى تبعد عن مدينة كفر الدوار بحوالى 17 كيلومتراً، حيث وصلنا عبر طريق ضيق لا يتعدى عرضه ثلاثة أمتار، وكان اللقاء الأول مع رمضان الشرنوبى –مزارع - والذى أكد استياء أبناء القرية والقرى المجاورة من إغلاق الطريق المؤدى إلى المقابر، بعد افتتاح محطة الرفع (طلمبات مصرف العموم ) حيث يضطر الأهالى إلى استخدام طريق آخر بوسط القرية عبر أزقة ضيقة، للوصول إلى المقابر، أثناء دفن الموتى، حيث يتم حمل المتوفى على الأكتاف سيراً على الأقدام، لمسافات طويلة، سواء مع حرارة الطقس فى فصل الصيف، أو وسط الأمطار الغزيرة والشوارع غير الممهدة فى فصل الشتاء.
ويؤكد محمد على –عامل – الطلب بإعادة فتح الطريق مرة أخرى، رحمة بأهالى القرية والقرى المجاورة لها، وإيقاف المعاناة الشديدة أثناء تشييع الجنازات.
ويقول محمود سالم – مزارع- نعانى بشدة من اختفاء مياه الرى، بشكل دائم على مدار شهور العام، مما يهدد الأراضى الزراعية بالبوار، ولم يكن أمامنا سوى طريقين، الأول هو ترك الحقول بدون رى وبالتالى بوار الأرض الزراعية، والبحث عن عمل آخر ننفق منه على أبنائنا، والطريق الآخر هو اللجوء إلى رى الزراعات من مياه مصرف العموم الخاص بالصرف الزراعى، لرى الحقول والحفاظ على المحاصيل الزراعية، مطالباً بسرعة تطهير ترعة الرى لضمان وصول المياه إلى القرية.
ويطالب أحمد محمود -عامل- برصف الطريق الذى يربط القرى بكوبرى الطلمبات، بسبب انتشار الحفر والمطبات بالطريق، بالإضافة إلى أهمية إنارة الطريق، لمنع وقوع العديد من الحوادث، وسقوط السيارات، فى الترعة المجاورة للطريق، بسبب الظلام الدامس.

المنوفية .. العطش يحاصر «جزى» و«برهيم»

أصبح صوت قدوم نقاط المياه من الصنبور يبعث الأمل فى نفوس أُناس أصبحت المياه لديهم هدف صعب المنال، وحلم يراودهم مع نفاد آخر قطرات مياه لديهم كل أسبوع، هذا هي حال أهالى بعض قرى محافظة المنوفية، التى تبعد نحو كيلوات المترات عن المدينة.
انتشرت حالة من الغضب بين الأهالى بسبب الانقطاع المتكرر لمياه الشرب فبسبب ضعف المياه فى بعض القرى مثل قرية «جزى» التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، الذين يعانون انقطاع المياه المتكرر، فى الوقت الذى ترتفع فيه درجات الحرارة وهو ما جعلهم لا يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية من الأعمال المنزلية وغيرها وسط تجاهل المسئولين.
فى البداية يقول عادل عبدالرزاق من قرية «جزى» أننا نعانى من وجود أزمة شديدة وعجز فى كمية مياه الشرب المخصصة للقرية، حيث تقدر كمية المياه للقرية بـ9000 متر مكعب فى اليوم، مؤكدين أنها لا تكفى احتياجات نحو 80 ألف مواطن بالقرية.
ويضيف أحمد يسرى من قرية «برهيم» قائلاً إن الاهالى يعانون بسبب الانقطاع المتكرر لمياه الشرب دون إبداء أسباب، ورغم آلاف الشكاوى، فإن ذلك لم يجد نفعًا، لتستمر مأساة أهالى القرية مع الانقطاع المتكرر، والذى يكاد يكون شبه يومى لساعات طويلة، هذا إلى جانب سوء حالة المياه وتغيير لونها وطعمها.
وتضيف زينب ابراهيم، ربة منزل من سكان القرية، إنها لا تتصور أن يعيش أناس فى هذا الزمن بلا مياه شرب، مشيرة إلى أن حياتهم متوقفة، ولا يجدون مياه شرب تروى عطشهم فى ظل ارتفاع درجات الحرارة أو حتى للوضوء.
كما أشار أهالى قرية «برهيم» التابعة لمركز منوف إلى أن المياه فى القرى التى يتم تركيب الرافعات بها ضعيفة جدًا قد تصل إلى عدم وجودها داخل القرية لأسابيع مع تخاذل المسئولين عن تقديم حل لهذه المشكلة.
وقال ياسر على، إن مياه الشرب تنقطع بصفة مستمرة ونضطر لشراء مياه «الجراكن»، التى تحتوى على الكثير من الشوائب التى تهدد الصحة العامة، فضلا على أن مياه الشبكة غير المتوفرة عندما تأتى تكون رائحتها كريهة
وتؤكد ماجدة عبدالنافع على انقطاع المياه كلياعن القرية ليل نهار لمدة أيام، فى الوقت الذيعادت فيه المياه لمدة 15 دقيقة فقط آخر يومين، فى الوقت الذى تسببت فيه المشكلة فى نفوق دواجن كانوا يقومون بتربيتها، مطالبين المسئولين بالتدخل لإنهاء الأزمة.

الأقصر .. «الشغب».. اسم على مسمى

تقع قرية «الشغب» فى الشمال الشرقى لمدينة إسنا بجنوب الأقصر، تحلم القرية التى تخطى عدد سكانها حوالى 45 ألف نسمة بتوفير كافة الخدمات التى تليق بحجم القرية وتغطى عدد سكانها.
شرق القرية، أقيم مستشفى صدر والذى صدر قرار إنشائه عام 2000، ليبدأ تنفيذ المشروع ويتوقف العمل به على فترات آخرها كان فى عام 2002، نظراً لمديونيات خاصة بالمقاول وإهمال وزارة الصحة للمكان؛ يظل المستشفى تحت الإنشاء حوالى 22 عاماً دون استكماله وتجهيزه لخدمة الأهالى، أو الاستفادة منه بشكل آخر.
لدغات العقارب التى تطارد الأهالى بسبب الطبيعة الصحراوية للجزء الشرقى من القرية، ونتيجة الطقس الحار الذى تعانيه الأقصر؛ باتت كابوساً يؤرق الأهالى فى ظل عدم توفر الأمصال بالوحدة الصحية التابعة للتأمين الشامل فى الفترة المسائية نظراً لغلق الوحدة فى الـ8 مساء بحسب شكوى الأهالى.
وأكد محمود محمد أحمد، مدير عام سابق بالتربية والتعليم للوفد أنه أحياناً فى حال الإصابة بلدغة عقرب، يضطر الأهالى الاستعانة بالإسعاف لنقل المصاب إلى مستشفى إسنا التخصصى والذى يبعد حوالى 30 كيلومتراً عن قرية «الشغب»، مستنكراً عدم توافر مستشفى مركزى يخدم القرية والقرى المجاورة رغم وجود البناء.
وأضاف مدير التعليم السابق لـ«الوفد»: «نظام التأمين الشامل يعتمد على الاتصال تليفونياً لحجز دور بالوحدة الصحية، التى يتوقف دورها عند استخراج جواب إحالة للمستشفى حسب التخصص وحسب الأيام، وهو مجهود مرهق للمريض الذى هو بحاجة لإسعافه صحياً، مؤكداً أن أقرب مستشفى من الجنوب هو مستشفى «إسنا» ويبعد 30 كيلومتراً، وأقرب مستشفى من الشمال هو مستشفى «العديسات» المتخصص للأطفال، لافتاً إلى أنه فى حال توفر مستشفى مركزى فى «الشغب»، فهذا يوفر مجهوداً بدنياً ومادياً على المرضى».
وأشار حمدى نوبى، أحد أبناء القرية، إلى أن هناك 30 مريض كلى يضطرون للغسيل بمستشفى إسنا جنوب المحافظة وهى تبعد لمسافة كبيرة وشاقة على المرضى، مطالباً بتوفير وحدة غسيل كلوى بالقرية تخدم قرية «الشغب» والقرى الجنوبية لمركز إسنا.
وطالب أهالى «الشغب» وزارة الصحة بالالتفات إلى مطالبهم والنظر إلى المستشفى وتشغيله رأفة بمرضاهم الذين يتنقلون لمسافات بعيدة، كما قدموا اقتراحات من خلال جريدة «الوفد» يمكن من خلالها استغلال المبنى المهمل فى تحويله لمعهد تمريض لعدم توفر معهد تمريض يخدم أبنائهم، أو استغلاله فى عمل وحدة غسيل كلوى، أو تشغيله كمستشفى أورام.
فى سياق آخر؛ عزبة «الأمير» التابعة لقرية «الشغب» والتى يبلغ عدد سكانها حوالى 10آلاف نسمة، تمثل المياه الأرضية التى تظهر آثارها على جدران المنازل والأرضيات، تهديداً لأمن الاهالى الذين أكدوا أنهم متضررون بشكل كبير؛ فلم تهدد المياه منازلهم فحسب، بل حياتهم وحياة أطفالهم أيضاً بحسب قولهم؛ نتيجة انتشار مياه الصرف فى القرية وهو ما قد يتسبب فى انتشار الأمراض على المدى البعيد؛ فضلاً عن إرهاقهم حالياً مادياً وصحياً؛ مالم يتم التدخل العاجل لحل هذه الأزمة التى تواجههم وتؤرقهم ليل نهار.
قال أشرف عطيتو، أحد السكان؛ أن مشكلة تسرب المياه قائمة منذ عشرة أعوام تقريباً، وبدأت تتفاقم مع مرور السنوات، موضحاً أن طبيعة التربة بالعزبة ليست نفاذية مما يتسبب فى ارتداد المياه إلى سطح الأرض، وهو الأمر الذى أدى إلى تهدم منازل، واضطرار بعض الأهالى لمغادرة منازلهم.
وأضاف: تم إجراء تحاليل للمياه، وتبين اختلاط المياه العادية بمياه صرف صحى؛ مستبعداً كون مصدرها مياه جوفية؛ لأن الأخيرة عميقة وتظهر على بعد أمتار من الحفر، بينما المياه المتسربة لمنازلهم هى مياه سطحية.
وأشار أهالى بالقرية إلى أنه تم إنشاء غرفة رئيسية بالعزبة؛ فى محاولة لتجميع المياه بها؛ لتقوم سيارت «الكسح» التابعة لمجلس القرية بتفريغها؛ إلا إن هذا لم يخفض من نسبة تضرر المنازل من المياه؛ إذ يتم صرف المياه بتلك الغرفة حوالى خمس مرات فى اليوم على حد قول الأهالى.
وناشد الأهالى المهندس عبدالمطلب عمارة، محافظ الأقصر؛ بالتدخل لحل الأزمة؛ وكذلك شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالمحافظة، مطالبين بإدراج عزبة «الأمير» ضمن مشروع الصرف الصحى القائم بالقرية الأم؛ لحل الأزمة، كما اقترحوا توصيل خطوط رئيسية بشكل مؤقت للصرف فى العزبة؛ حتى لو سيتكلف الأمر أن يتحمل الأهالى التكلفة من حسابهم الخاص.

المنيا .. «أبوحسيبة».. قلب الصعيد المتعب

قرية «أبو حسيبة» كأنها فصل منسي من رواية الوطن، تنتمى إدارياً إلى قطاع «أبو عزيز» بمركز مطاى، بمحافظة المنيا، غير أنها لم تنل من الانتماء سوى الاسم، ومن الحقوق سوى الأمل المؤجل.
على سبيل المثال نجد أن موقع «وابور المياه القديم» جاهز لاقامة محطة صرف صحي ورغم الموافقات الرسمية التى طويت فى الأدراج، إلا أن التنفيذ ظل حلما يتناقص كلما طال الانتظار.
«طابور النساء»
فى «أبو حسيبة»، تقف الأرامل والمطلقات فى طابور الغياب، لا مكتب بريد يمد يدهن بمعاش أو دعم مستحق، لا نافذة تفتح فى وجه العوز، لا «تكافل» يكافئ تعب الأرواح، ولا «كرامة» تصان بين جدران الإهمال، ويبقى الزمن سكينا، تقطعه النساء بين طرقات متباعدة، وحوائج لا تنتظر.
تحدث أشرف على من أبناء القرية بأن قرية «أبوحسيبة» التى يبلغ سكانها 20 ألف نسمة، تفتقر حتى إلى ماكينة صرف آلي (ATM)، ما يجبر المسنين على التنقل إلى مطاى، حاملين وجع السن، وأحلام البساطة، فهل بات سحب الراتب رفاهية فى قرية لا تملك من الدنيا إلا شقاءها؟! مكتب بريد بمبنى مركز المعلومات والمعلق منذ سنوات أصبح ضرورة ملحة ليرحم المطلقات والأرامل وأصحاب المعاشات وتكافل وكرامة من الانتقال إلى مكتب بريد «مطاى» ليكون بمثابة طوق النجاة لكبار السن.
وتحدث محمد الطويل من أبناء القرية بأن العيادة الصحية فى «أبوحسيبة» ليست سوى مبنى يفتقر إلى أدنى مقومات الرعاية، التطبيب فيها مؤجل، والدواء غائب، والتخصصات حلم مؤجل، أما المدرسة الابتدائية والإعدادية، فقد تحولتا إلى خلية مزدحمة، تكد فيها العقول وتضيق فيها الأنفاس.
وأضاف أحمد عبدالفتاح من أبناء قرية «أبوحسيبة» المحرومة، لا يوجد معهد دينى فى القرية، ما يدفع الأطفال إلى قطع المسافات الطويلة يومياً إلى «مطاى»، والخطر يترصدهم على الطرقات، من المسئول عن حرمانهم من التعليم الآمن؟
القرية بكل أوجاعها لم تكن من نصيب مبادرة «حياة كريمة»، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى لترميم العدالة الاجتماعية فى جسد الوطن، وكأن «أبوحسيبة» قد كتبت فى هوامش الخرائط التى تحلم بالعدالة والتنمية.