بين معركة الدفاع عن الأرض، ومعركة الحفاظ على الهوية والقيم، تقف مصر دومًا فى الخط الأمامى، حامية لأمنها المجتمعى ومبادئها الأخلاقية، كما كانت عبر التاريخ.
ليست مصر دولة تهادن حين يمس شرفها القيمى، ولا تساوم عندما يساء لثوابتها الأخلاقية.. إنها الدولة التى علمت العالم معنى القدوة والانضباط، وبنت أجيالًا من الفلاحين والعلماء والعمال يرفعون راية القيم أينما ذهبوا.
اليوم، فى مواجهة طوفان الابتذال الذى يتخفى خلف «الترند»، تتحرك الدولة المصرية بكل وعى ومسئولية، من خلال مؤسساتها وأجهزتها، لتعيد الانضباط إلى الفضاء الرقمى، لا قمعًا كما يروج البعض، بل حفاظًا على الشخصية المصرية من التشويه، وحماية للأسرة من التفكك، وصونًا لكرامة المرأة والطفولة.
ما جرى خلال الأيام الأخيرة من ضبط عدد من صناع المحتوى الرقمى -ممن يصطلح على تسميتهم بـ«البلوجرز» و«التيك توكرز»- كشف حجم الانحدار الذى يتم تسويقه تحت مسمى الشهرة.. مقاطع مسيئة، وسلوكيات مشينة، وأفكار هدامة تقدم للشباب باعتبارها نماذج للنجاح، فى مشهد لا يمت لقيم المجتمع المصرى بأى صلة.
بعضهم استخدم الدين كوسيلة للاستعراض، وبعضهن حولن أجسادهن إلى أدوات تسويقية رخيصة، فى تجاهل تام لرسالة الإعلام الرقمى، ومكانة المرأة فى المجتمع، ودور المنصات فى تشكيل الوعى لا تسويقه.
فهل أصبحت المعادلة الآن: كلما زاد الانحطاط زادت المشاهدات؟
وهل صارت الشهرة تنتزع من بوابة خدش الحياء بدلًا من أن تبنى على العلم والموهبة والاجتهاد؟
ومن وجهة نظرى إن الدولة هنا لا تحاكم الأشخاص، بل تحاسب الظاهرة، وتحذر من أفكار مسمومة تحقن فى عقول النشء، مفادها أن الشهرة لا تحتاج إلى مضمون بل إلى جرأة وابتذال.
مصر لا تعادى وسائل التواصل، بل تحرص على أن تكون هذه المنصات أدوات للوعى، لا منصات لتسليع الإنسان والعبث بقيم المجتمع.. فمن يروج للمحتوى الهابط لا يقل خطرًا عن مروج السموم، كلاهما يفسد العقول ويدمر المستقبل.
ولذلك، لا نطالب بإغلاق منصات التواصل، بل نناشد بفتح نوافذ الوعى، وفرض رقابة مسئولة، وسن تشريعات حازمة، وتفعيل الدور الإعلامى والثقافى فى حماية الذوق العام.
وكما قال الفيلسوف جان جاك روسو:
«الحرية ليست أن تفعل ما تشاء، بل أن تعرف ما لا يجب أن تفعله».
وليعلم كل من يعبث بالكاميرا ويصور الانحدار باعتباره إنجازًا، أن هذا الوطن لا يقبل الإسفاف، وهذه الدولة لن تساوم على القيم.
كما نثق فى جيشنا الذى يحمى الأرض، نثق فى شرطتنا التى تحمى المجتمع، ونثق فى عدالة الدولة التى تعيد بوصلتها الأخلاقية كلما حاولت فوضى «الترند» أن تنحرف بها.