لعل وعسى
تناولنا فى المقالين السابقين أن الإقتصاد العالمى يواجه أوضاعًا معاكسة بشكل كبير، وهو ما انعكس على اقتصاديات الأسواق الصاعدة، ومنها مصر، وهى التى تسعى بكل السبل نحو زيادة حجم الاستثمار الأجنبى المباشر، كما أن انعقاد قمة تحالف بريكس الـ 17 فى البرازيل هذا الشهر، قد يمثل بداية لتعزيز التعاون مع دول الجنوب الساعية لحوكمة أكثر شمولًا واستدامة. وحتى يتسنى إطلاق العنان نحو تحقيق النمو طويل الأجل، يجب أن تركز الإصلاحات على، أولا: تحسين جودة المؤسسات خاصة التعليمية والتشريعية. ثانيا: جذب الاستثمارات مع تفعيل حقيقى لدور المجلس الأعلى للإستثمار المصرى. ثالثًا: القدرة على تعزيز رأس المال البشرى. ومن هذا المنطلق يجب أن تكون عملية جذب الإستثمار هدفًا إستراتيجيًا لا يرتبط بفترة زمنية معينة، بل يجب أن تكون عملية مستمرة ومتوازنة وشاملة فى إطار علمى. لذلك تمثلت جهود الدولة المصرية خلال العشر سنوات الماضية نحو تهيئة المناخ الجاذب للاستثمار والذى تمثل فى تطوير للبنية التحتية من خلال 7000 كم طرق والعديد من الموانئ و24 مدينة جديدة بتكلفة استثمارية تجاوزت 550 مليار دولار، أيضًا كانت هناك جهود لتسهيل الإجراءات عبر وجود وحدة دائمة بمجلس الوزراء لحل مشاكل المستثمرين، مع إنشاء بوابة إلكترونية لتلقى شكاوى المستثمرين، وبالتالى تمثلت هذه الجهود فى حل لمشكلات المستثمرين عبر تسوية النزاعات الضريبية والقانونية، وحل أكثر من 75% من المشكلات التى تواجه القطاع الخاص والمستثمرين، لذلك فإن التشجيع على الاستثمار كان هو أحد جهود مصر خلال الفترة الماضية بتوجيه الاستثمارات إلى قطاعات حيوية معينة، مثل الزراعة، والصناعة، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات، لذلك فإن إنشاء المجلس الأعلى للإستثمار والذى يرأسه الرئيس عبدالفتاح السيسى يمثل دفعة نحو تعميق حقيقى للصناعة المصرية، وتوطين التكنولوجيا، وزيادة حجم الصادرات إلى 145 مليار دولار بحلول عام 2030 وركيزة حقيقية نحو تطوير التشريعات لتشجيع الإستثمار والسماح بملكية أجنبية 100% للمشروعات الاستثمارية، مع ضمان حق تحويل الأرباح للخارج. لذا تعد الشراكة مع القطاع الخاص سواء المحلى أو الأجنبى خاصة فى مشروعات الاستصلاح الزراعى، وصناعة السيارات، والتعليم، والصحة، والطاقة، مرتكزا حقيقيا للتنمية الشاملة التى تهدف إلى تحقيق نموا اقتصاديا لا يقل عن ٦٪، ومستدام، ورفع مستوى معيشة المواطن المصرى، وإيجاد فرص عمل حقيقية تساهم فى الحد من ارتفاع معدلات الفقر وعدم المساواة. الهدف الحقيقى الذى يجب أن تتضافر جميع الجهود من أجله حاليًا هو السعى نحو تحسين ترتيب مصر لتصبح من أكبر خمس دول عالميًا فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حتى يتسنى لنا زيادة الطاقة الإنتاجية، وتحقيق المستهدفات الحقيقية عند بلوغ عام 2030. ومستندين على ميزة كبيرة يتمتع بها الاقتصاد المصرى وهو أنه ليس ريعيا بالدرجة الأولى، كما هو بالنسبة للعديد من دول المنطقة العربية. حيث يمكن التركيز على ما تتمتع مصر به من هياكل صناعية وزراعية وتجارية أكثر تقدما من دول المنطقة. وهو ما يجعلنا مطمئنين أن الأولوية فى جذب الاستثمارات سوف تستهدف تحقيق أثر إيجابى على القطاعات الاقتصادية واستدامتها، فالاستثمار الأجنبى المباشر ليس هدفًا فى حد ذاته وإنما وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. وأن الضرورة تقتضى الوقوف على أهم المحددات والدوافع الاقتصادية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر خلال الهدوء النسبى فى المنطقة حاليًا.
رئيس المنتدى الاستراتيجى للتنمية والسلام