المعديات النيلية.. مصائد الموت
تعتبر المعديات النيلية خطرًا داهمًا يهدد حياة المواطنين الذين يستخدمون تلك الوسيلة للتنقل بين المحافظات أو بعض المراكز والمدن، ما يجعلها أحد أهم أخطر الوسائل على حياة المواطنين.
وقعت العديد من الحوادث نتيجة سقوط بعض السيارات من أعلى المعديات النيلية، لعل أبرزها غرق سيارة ميكروباص بنهر النيل بمنطقة أبوغالب بمنشاة القناطر، ما أدى إلى مصرع 17 فتاة لتنتهى أحلامهن بسبب الإهمال، وإنقاذ 8 فتيات من الغرق، الأمر الذى يحتاج إلى رقابة شديدة من قبل الأجهزة المعنية، للحفاظ على أرواح المواطنين.
فى محافظة البحيرة تنتشر العشرات من المعديات النهرية بمختلف المراكز، لاسيما فى المناطق الواقعة على فرع رشيد من نهر النيل، مثل مراكز( شبراخيت، الرحمانية، المحمودية، ورشيد)، بالإضافة إلى العديد من قرى مركز كوم حمادة المطلة على ترعة الرياح البحيرى، ومنها قريتا دمشلى وعز الدين.
وتقوم تلك المعديات يوميًا بنقل الأفراد والسيارات والبضائع بين ضفتى النهر، فى ظل غياب واضح لوسائل الأمان والرقابة.
وعلى مدار السنوات الماضية، شهدت البحيرة العديد من الحوادث المأساوية التى راح ضحيتها الأبرياء نتيجة غرق المعديات، خاصة فى مركزى كوم حمادة ورشيد، وتعود أسباب تلك الكوارث إلى غياب أدوات الإنقاذ، والحمولة الزائدة، بالإضافة إلى الإهمال فى الصيانة الدورية لتلك الوحدات النهرية.
وفى مركز رشيد، تنتشر معديات متعددة تربط المدينة بقرى مركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، مثل وقف قبلى، وقف بحرى، الجزيرة الخضراء، والبسرات، ويعتمد الآلاف من المواطنين يوميًا على هذه المعديات لعبور النهر للعمل أو التسوق، ثم العودة لمنازلهم.
العلاقات الاجتماعية المتشابكة بين سكان رشيد ومطوبس، التى تعززت عبر سنوات من المصاهرات والتقارب، جعلت من وجود وسيلة نقل سريعة وآمنة ضرورة حياتية، ورغم وجود بدائل مثل كوبرى الطريق الدولى الساحلى وكوبرى قناطر إدفينا، فإن بعد تلك الكبارى عن المناطق السكنية، سواء فى إدفينا أو داخل مدينة رشيد، يدفع المواطنين إلى استخدام المعديات النهرية، رغم ما تحمله من مخاطر دائمة.
ويقول المحاسب حمدى إسماعيل، رئيس لجنة حزب الوفد بمركز ومدينة رشيد، إن غياب الرقابة يمثل أزمة مزمنة فى ملف المعديات برشيد، بدءًا من معدية قرية إدفينا جنوب المركز والتى تربط القرية بمدينة مطوبس، وصولًا إلى معديات المدينة ذاتها التى تربطها بقرى مركز مطوبس.
وأشار إلى أن الحادث الأليم الذى وقع عام 2009 لا يزال محفورًا فى الذاكرة، باعتباره أحد أشد الكوارث التى شهدتها المنطقة، موضحاً أن أهم أوجه القصور تكمن فى تجاوز الحمولة المقررة، حيث تنص شروط التراخيص على ألا تتجاوز الحمولة 7 ركاب، فى حين يتم تحميل المعديات أحيانًا بما يزيد عن 30 راكبًا.
وأضاف أن غياب وسائل الإنقاذ مثل «العوامات» والسترات الواقية، بالإضافة إلى غياب إجراءات السلامة والصيانة الدورية، كلها عوامل تؤدى إلى تفاقم المخاطر، فضلًا عن السماح لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 13 إلى 15 عامًا بقيادة هذه المراكب دون ترخيص أو تأهيل.
ووجّه إسماعيل نداءً إلى الدكتورة جاكلين عازر، محافظ البحيرة، وكافة الجهات المعنية، لاتخاذ خطوات عاجلة لفرض الرقابة المشددة على تشغيل المعديات وتوفير اشتراطات الأمان اللازمة، احترامًا لحق المواطنين فى الحياة، وحفاظًا على أمنهم وسلامتهم.
لم تختلف المعاناة فى قرى مركز كوم حمادة، حيث قال سلامة محمود، عامل، إن المعديات المنتشرة على ترعة الرياح البحيرى باتت مصدر خطر حقيقى يهدد الأرواح، مطالباً بسرعة إنهاء الاعتماد على تلك المعديات، وإنشاء كبارى بديلة فى أقرب وقت، خاصة أن العديد من المعديات لا تصلح لنقل الأفراد أو البضائع أو حتى السيارات، وتفتقد لأدنى معايير السلامة، وتعمل دون صيانة أو رقابة.
وأكد أن غياب الأمان وعدم مراعاة الحمولة المقررة، بالإضافة إلى تهالك بعض المعديات وعدم خضوعها لأعمال الصيانة الدورية، يؤدى إلى حوادث متكررة تتسبب فى فقدان أرواح بريئة، فى ظل غياب الحلول الجذرية.
رغم اعتماد آلاف المواطنين بمحافظة البحيرة على المعديات النهرية كوسيلة انتقال يومية، فإن استمرار هذا الوضع دون تطوير أو رقابة صارمة، يجعل منها وسيلة محفوفة بالمخاطر، الأمر الذى دفع المواطنين إلى المطالبة بضرورة إحلال المعديات بكبارى آمنة، وتطبيق القانون على المخالفين، فى ظل الحاجة الملحة لحماية الأرواح من خطر بات يوميًا.
ويعتمد الآلاف من أهالى محافظة المنوفية على المعديات النيلية، التى تعد الخطر الداهم الذى يهدد حياة الأبرياء، أثناء التنقل بين محافظات المنوفية والبحيرة والجيزة، خاصة بمراكز أشمون والسادات ومنوف، فرغم كونها وسيلة الانتقال الوحيدة فى عدد من القرى، إلا أن ضعف الرقابة وغياب اشتراطات السلامة يجعلها بمثابة «نعوش متحركة» على صفحة النيل.
ويحذر الأهالى من تكرار الكوارث، مؤكدين أن مأساة «معدية أبو غالب» التى راح ضحيتها 15 فتاة لا تزال حاضرة فى الأذهان، مطالبين بإيجاد حلول جذرية، على رأسها إنشاء كبارى تربط المنوفية بالمحافظات المجاورة لتأمين انتقال المواطنين.
مطالب المواطنين لا تجد آذانًا صاغية
يقول رياض طه، أحد أهالى قرية بشتامى التابعة لمركز الشهداء، إن المعدية التى شهدت غرق عدد من الركاب مؤخرًا، كانت تُقل حمولة زائدة بشكل واضح، فى ظل غياب تام للرقابة، رغم تقدمهم بشكاوى متكررة، قائلاً: «الحل الوحيد هو إنشاء كوبرى يربط بين المنوفية والبحيرة، بدلاً من الاعتماد على هذه الوسيلة البدائية».
أما محمود عبدالغنى، من مركز منوف، فيؤكد أن معديتَى عبد العليم وطملاى - كفر داود، تشكلان خطرًا مستمرًا على الأهالى، حيث تنقلان الركاب والسيارات معًا دون أدنى مراعاة لاشتراطات السلامة، لافتًا إلى حوادث سابقة، أبرزها غرق 12 شخصًا فى قرية صنصفط عام 2013، ووفاة 6 آخرين فى حادث مشابه.
ويحذر محمد شاهين من خطورة معدية «أبو عوالي» بأشمون، التى يمر عبرها آلاف المواطنين يوميًا للذهاب إلى أعمالهم بمحافظة الجيزة، لافتاً إلى أن المعدية تنقل سيارات نقل ثقيل تحمل الزلط والرمال، ما يُشكل تهديدًا صارخًا لحياة الركاب.
أما حنان عبدالعليم، فتروى قصتها قائلة: «استخدم المعدية يوميًا مع أطفالى للذهاب إلى المدارس وشراء احتياجات المنزل، وكل فترة نسمع عن حادث غرق جديد.. حياتنا معلقة على صدفة نجاة، والمطلوب هو إنشاء كبارى آمنة».
وفى المقابل، يدافع محمد موسى، أحد أصحاب المعديات، قائلاً: «لسنا دائمًا المسؤولين عن الحوادث، أحيانًا يكون السبب تدافع الركاب أو مشاجرات بينهم أثناء الصعود، لكننا نُحمَّل وحدنا المسؤولية».
من جهته، أكد مصدر بمحافظة المنوفية، أنه تم تشكيل لجنة لفحص المعديات العاملة داخل المحافظة، والتى انتهت من مراجعة أوضاع 31 معدية، ورصدت ملاحظات متعددة تتعلق بعوامل الأمن والسلامة، وتم التنبيه على تلافيها فورًا.
كما شدد اللواء محمود الكمونى، مدير أمن المنوفية، على أنه تم توجيه مباحث المسطحات بمصادرة أى معدية لا تلتزم باشتراطات السلامة، مع تحرير محاضر يومية للمخالفين، قد تصل إلى إلغاء الترخيص نهائيًا، مطالباً المواطنين بسرعة الإبلاغ عن أى تجاوزات من قبل أصحاب المعديات لحماية الأرواح.
ولعل أفظع ما واجهته المحافظة مؤخرًا هو حادث معدية «أبو غالب» بمنشأة القناطر، حين سقطت سيارة ميكروباص تقل 26 فتاة من قرى أشمون فى مياه الرياح البحيرى، ما أسفر عن وفاة 15 فتاة ونجاة 9 أخريات.
وكانت الفتيات يعملن بإحدى شركات تصدير الفاكهة، وفى أثناء عبورهن المعدية، انزلقت السيارة وسقطت فى النيل، بسبب تعطل الفرامل، وتمكنت قوات الإنقاذ من انتشال الجثامين وإنقاذ الناجين، وسط حزن شديد خيم على قرى المنوفية.
وتفتقد العبارات النهرية ومراكب نقل المواطنين بين ضفتى نهر النيل بمدن سوهاج، أبسط وسائل الأمان وقائدوها لا يلتزمون بالحمولة المقررة، وكذلك الطرق المؤدية إليها عبارة عن سقالات خشبية متهالكة الأمر الذى يجعل من خطر الغرق لركاب هذه الوسائل النهرية احتمالا شبه محقق يروح ضحيتها مواطنين أبرياء جدد بين الحين والآخر لا ذنب لهم سوى أنهم لا يجدوا غير هذه الوسائل البدائية التى تنقلهم فوق مجرى نهر النيل.
وتحولت العبارات النهرية بمحافظة سوهاج، إلى مصدر قلق للمواطنين الذين يستقلونها للعبور بين ضفتى النيل من الغرب إلى الشرق والعكس ودائما ما تتعطل تلك العبّارات النهرية وسط مياه النيل وهى محمّلة بالركاب وطلاب المدارس والسيارات.. وبات المشهد مألوفًا لأهالى القرى التى تستخدمها والمناطق المجاورة بينما تجرف التيارات العبّارة إلى المجهول دون أن تتحرك الجهات المعنية لوضع حد لهذه الأزمة الشائكة سوى عقب وقوع الكارثة وغرق بعض المواطنين.
ففى مركز طهطا، توجد معدية الخزندارية التى تربط بين شرق وغرب النيل التى تمثل خطرا على حياة المواطنين بسبب عدم وجود مرسى، وكذا تهالك المعديات دون عملية صيانة دورية من قبل محافظة سوهاج والوحدات المحلية التابعة لها.
وقال محمد خالد، أحد الأهالى، إن العبارات النيلية بسوهاج قديمة ومتهالكة وغير مطابقة للمواصفات وبدون حواجز حديدية ويتسبب ذلك فى سقوط السيارات والمواطنين بالإضافة إلى زيادة حمولتها عن المقرر لها وكل هذا فى غياب الرقابة من الوحدة المحلية لمركز ومدينة طهطا.
وفى مركز دار السلام، توجد معدية بقرية أولاد سالم تربط بين شرق وغرب النيل فى المركز بمدينة البلينا، ولا يوجد مرسى من ناحية الشرقية بدار السلام والسيارات مهددة بالسقوط فى نهر النيل بسبب عدم وجود المرسى على الرغم من أن المعدية هى الوسيلة الوحيدة لنقل المواطنين والموظفين من مركز دار السلام إلى البلينا والعكس.
وقال عاصم عبد الفتاح، أحد أهالى مركز دار السلام، إن المعدية النهرية تابعة للوحدة المحلية لمركز ومدينة البلينا ولا يوجد لها رصيف فى الجانب الشرقى بمركز دار السلام، ويتسبب ذلك فى سقوط السيارات فى نهر النيل أكثر من مرة أثناء نزول السيارات من المعدية، وأن غياب الرقابة على العبارات يؤدى إلى كوارث فلا بد من الفحص الدائم لمعرفة مدى صلاحيتها لأنها تحمل الكثير من الأرواح وتفتقد لأبسط معايير الصحة والسلامة المهنية.
ورغم أن مواطنى القرى الواقعة على نهر النيل أرسلوا العديد من الشكاوى والمناشدات المتكررة للمسؤولين بالمحافظة، مطالِبين بإنشاء كوبرى يربط قرية الخزندارية بمدينة طهطا إلا أن أصواتهم لم يستمع لها أحد لتبقى حياة المواطنين معلقة بين أمواج النيل وإهمال المسئولين فى توفير أبسط حقوق كفلها لهم الدستور والقانون بأن بعيشوا حياة كريمة.
تخدم العبارات النهرية بمحافظة سوهاج، آلاف المواطنين بقرى ومراكز طما وطهطا والمراغة وأخميم وساقلتة ودار السلام، ما يجعل تعطلها المتكرر أزمة تتجاوز حدود القرية الصغيرة لأن معظم مواطنى هذه الأماكن موظفين مرتبطين بعمل سواء شرق أو غرب النيل وكذلك التلاميذ والطلاب الذين يدرسون ويتعلمون بمدارس فى تلك المراكز ولا وسيلة لهم سوى تلك العبارات.
وقال عبد العال إبراهيم، مواطن بمركز طما، إن العبارة التى تنقل المواطنين من مرسى السكساكة إلى مركز البدارى بمحافظة أسيوط شرقاً تفتقد أبسط سبل الأمن والمتانة إضافة إلى سوء حالة المراسى الأمر الذى يؤدى لوقوع كوارث كما حدث منذ عدة شهور بسقوط سيارة ملاكى راح ضحيتها أسرة بالكامل بسبب سوء حالة المراسى. وأشار سعد يونس، أحد المواطنين، إلى أن جميع وسائل النقل النهرى بسوهاج غير مطابقة للمواصفات الملاحية مما يعرض حياة الركاب للخطر، حيث أن العبارة تسع من خمسين إلى سبعين راكباً ولكن فى أوقات الذروة يركب بها أكثر من 150 شخصاً بالإضافة إلى عربات الكارو والمواشى وعربات نصف النقل لذا نطالب المسئولين بتشديد الرقابة عليها حرصاً على أرواح المواطنين.
ومن جانبه قال عبد الحكيم العش، عضو مجلس الشيوخ بسوهاج، إن قرى ومدن المحافظة المطلة على نهر النيل شهدت بعض الكوارث بالعبارات راح ضحيتها عشرات المواطنين الأبرياء من مراكز طهطا والمراغة وطما والبلينا ودار السلام ومما يزيد من خطورة هذه الكوارث عدم توافر أطواق النجاة لمعظم وسائل النقل النهرى وندرة قوارب الإنقاذ.
وأضاف أن الكثير وسائل النقل النهرى بسوهاج يعمل بدون ترخيص فى ظل انعدام الرقابة من جانب مسئولى المسطحات المائية كما يعمل البعض الآخر بدون وسائل اتصالات مما يحول فى استدعاء النجدة فى حالة الطوارئ مطالبا بتكثيف الرقابة على وسائل النقل النهرى وتزويدها بوسائل الأمن وتطوير المراسى النهرية والطرق المؤدية إليها وفرض التأمين الإجبارى عليها فى حالة غرق الركاب.
ولفت أحمد محمد، أحد أهالى المراغة، إلى أن العبارة والمراكب التى تنقل أهالى الشورانية من وإلى مدينة المراغة لا تخضع للتفتيش والرقابة من قبل الجهات المسئولة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد بها أطواق الإنقاذ وحمولتها تكون دائماً أزيد من طاقتها خاصة فى فترة الصباح ووقت عودة الموظفين من أعمالهم وطالب المسئولين بالاهتمام بهؤلاء المواطنين بعمل كوبرٍى علوى لحمايتهم من المخاطر.