كتبت فى الأسبوع الماضى فى المكان نفسه عن مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان، ودوره فى إثراء الاصلاحات التشريعية، ومتابعة ومراقبة الخطة الاقتصادية والاجتماعية للحكومة. وقلت إنه رغم التصور السابق بشكلية دور المجلس، إلا أن الواقع العملى والتعايش اليومى كشف بجلاء أهمية وحيوية الدور الذى يؤديه فى خدمة الوطن.
ولا شك في أن ذلك يستدعى تساؤلا مُلحا حول الدور الذى تلعبه الغرفة الأولى للبرلمان، ألا وهى مجلس النواب، وإن كان حيويا وفاعلا أم لا، وإلى أى مدى تحقق هذه الفاعلية الغرض المُنشأ من أجله. ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، فإن أعضاء البرلمان أنفسهم هُم الأقدر على تبيان ما تم إنجازه من أعمال، غير أن ذلك لا يمنعنا كمراقبين ومتابعين من طرح الأفكار حول تعظيم أداء المجلس خاصة أننا على أعتاب انتخابات برلمانية جديدة، تتزامن مع تغيرات إقليمية وعالمية مهمة وخطيرة.
وكما قلنا من قبل، فإن البرلمان هو عين الشعب على الحكومة، وهو أيضا صوت الأمة لدى السلطة، يطرح هموم الشعب ويستعرض المشكلات العامة، ويناقش حلولها. لذا، فإن رجال البرلمان يُفترض فيهم الخبرات السياسية المتراكمة، والحنكة واللياقة، والبلاغة والثقافة، والقدرة على طرح الأفكار والآراء، وقبل كل ذلك الوعى الكافى لمراجعة ومتابعة أعمال الحكومة وتحليلها ونقدها بما يصحح أداءها ويطورها.
كما يتعين على مجلس النواب الاضطلاع بدوره التشريعى اللازم لتنفيذ الإصلاح التشريعى الشامل فى كافة المجالات بما يقضى على التعارض والتضارب فى بعض القوانين، ويواكب التطور التكنولوجى والحضارى، ويتوافق معه، وهو ما يصب فى النهاية فى الصالح العام ويحقق التنمية المستدامة المنشودة.
وإذا كان المجلس قد لعب دورا حيويا ورئيسيا وفاعلا فى إثراء الحياة السياسية من خلال التعددية التى حافظ عليها بقدر كبير، وساهم فى ابراز مشكلات كبيرة وعويصة تواجه المجتمع، وساهم فى تطوير نظم وقواعد وتشريعات عديدة تستهدف الاصلاح، إلا أنه ما زال فى حاجة لضخ دماء جديدة، وممارسة أكثر فاعلية فى الدورات القادمة، بما يقوى الدور الرقابى، وتفعيل قواعد المتابعة والمراجعة لمسئولى الحكومة.
إننا نطمح إلى أن تُجدد الانتخابات القادمة الثقة بين المواطن والعملية الديمقراطية، باعتبارها الجسر المناسب للتنمية، والضمان الحقيقى للاستقرار، والطريق المثالى لجذب الاستثمارات الاقتصادية وتوفير الوظائف وتحسين مستويات المعيشة.
ونتمنى أن نرى برلمانيين جُددا من مختلف الفئات، لديهم الوعى والحس السياسى والثقافى اللازمين للعب دور فى إثراء مناقشات البرلمان، وسؤال السادة المسئولين عن التحديات الكبرى التى تواجه الحكومة هنا وهناك. كما نأمل في أن نجد دراسات علمية واضحة لتقييم كثير من القرارات والسياسات المتبعة، فضلا عن التشريعات المصدرة، بما يحقق فى النهاية ما يرجوه كل مواطن من برلمان بلاده من تصحيح للأداء الحكومى وتحقيق للاحترافية المنشودة.
لقد عرفت مصر الحياة البرلمانية مبكرا جدا، فمنذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر الميلادى يمارس المصريون العمل البرلمانى، وهو ما أنتج ثقافة وفكرا وتراثا برلمانيا عظيما ما زلنا نستمد كثيرا من المفاهيم والقيم منه.
إن مصر لديها خبرات متنوعة، وعقول فذة، وشخصيات مرموقة مؤهلة للعمل العام وخدمة الناس فى مختلف الأحزاب السياسية، وخارجها أيضا، وهؤلاء قادرون جميعا على تغيير أداء البرلمان وجعله أكثر دعما للحياة السياسية، وصولا للديمقراطية الحقيقية.
لقد ذكرت من قبل أن قطع الطريق تماما على قوى الإسلام السياسى المتطرفة الراغبة فى السيطرة على الشارع المصرى، وهدم أى مشروع حضارى وطنى، يستلزم تفعيلا حقيقيا لدور البرلمان، وأحسب أن فى الإعادة إفادة، لذا أكرر دعوتى لتفعيل الأداء البرلمانى بكل وسيلة ممكنة.
وسلامٌ على الأمة المصرية.