«هذا هو الإسلام» (6)
إذا كانت الأمم المتحدة قد بدأت تُعنى بالطفولة، وقررت إقامة عيد لها فى نوفمبر من كل عام فى ذكرى إعلان حقوق الطفل الذى اعتمدته الجمعية العامة فى 20 نوفمبر 1959م، فإن الإسلام منذ أكثر من ألف واربعمائة سنة عُنى بالطفولة، وجعل من مبادئه الكريمة ورعايته عيدًا دائما لها، فقد وضع الإسلام رؤية شاملة لحقوق الطفل تبدأ من قبل وضع نطفته بأن يتخير له أما صالحة ووعاء شريفا، وحفظه نطفة فى بطن أمه بالاعتناء بصحة الأم وتغذيتها وتحريم الاعتداء على جنينها.. وأمر بتسميته اسمًا حسنًا والقيام على تربيتهِ وتعليمهِ، والاعتناء بعقله وجسده حيث أمر بتعليمهم الرماية والسباحة وركوب الخيل، وجعل فداء أسرى بدر من المشركين تعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، وضرب المثل الأكمل فى حسنُ توجيهه وارشاده فعن عمر بن أبى سلمة قال: كنت غلامًا فى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدى تطيش فى الصحفة، فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك»، فما زالت تلك طُعمتى بعد. (متفق عليه) كما كان يحترم مشاعر الطفل ويخفف عنه فى مصابه مهما كان صغيرًا، فعن أنس بن مالك -رضى الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلُ علينا ولى أخ صغير يُكنى أبا عُمير، وكان له نغر -طائر صغير أحمر المنقار- يلعب به، فمات فدخل عليه النبى ذات يوم فرآه حزينًا، فقال: «ما شأنه؟» قالوا: مات نغره، فقال: «يا أبا عمير ما فعل النغير» (متفق عليه)، وكم أطال النبى فى السجود لأن الحسن والحسين ارتحلى ظهره، ونزل من على المنبر وهو يخطب عندما وجدهما يتعثران بين الصفوف، وكان يتجوز فى الصلاة عندما يسمع بكاء طفل مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ، وعنف الأقرع بن حابس لكونه لا يقبل أولاده، وكان يُغدق على الأطفال من عطفه وحنانه الكثير والكثير، فعن جابرِ بن سمرة قال: «صليتُ مع رسول الله صلاة الأولى -يعنى الظهر-، ثُمَّ خرجَ إلى أهلهِ وخرجتُ معه، فاستقبله ولدانٌ، فجعلَ يمسحُ خَدَّيْ أحدِهم واحدًا واحدًا..» (رواهُ مسلم) كما كان يظهر التقدير للطفل والغلام فى حضرة الشيوخ بل ويستأذنه إذا كان الأمر متعلق به فعن سهل بن سعد -رضى الله عنه-: أن رسول الله أُتِيَ بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام:«أتأذن لى أن أعطى هؤلاء؟»، فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبى منك أحدًا، قال: فتلَّه -وضعه فى يده- رسولُ الله صلى الله عليه وسلم». (متفق عليه) وشرح هذا الأمر يطول ولولا ضيق المقام لأسهبنا فيه لكنى أختم بقول أنس -رضى الله عنه–قال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ» (رواه الإمام مسلم ) هذا هو الإسلام فما أحوجنا إليه فى تربية أولادنا فى هذا العالم المضطرب قيميًا وأخلاقيًا.
من علماء الأزهر والأوقاف