قضية ورأى
كان أسوأ ما فى فاجعة زهرات كفر السنابسة، تنصل المتحدث الرسمى لمحافظة المنوفية من المسئولية الإدارية عن الحادث، وإلقاء التبعية على سائق النقل ووزارة النقل والباحثين عن «ترند».
وهذا أسهل شىء على المسئول، أن يتنصل من المسئولية، ويغسل يديه من الأزمة، ويذهب معزيًا فى خشوع.
لا أعرف هل هذا موقف محافظ المنوفية أيضًا، أم أن متحدثه قد أخطأ فى صياغة وجهة نظر المحافظة فى الأزمة.
المهم.. أن المتحدث قال إن الطريق لا يخضع لولاية المحافظ، وأن لفظ «طريق الموت» لم يردده المواطنون على ألسنتهم، وصيغ كـ«ترند»، وأن «سائق النقل التقيل خرج من الحارة المخصص إليها متجاوزًا الحواجز الخرسانية ومندفعًا فى الطريق المقابل».
بداية، فإن المحافظ طبقًا للقانون ـ أى محافظ ـ هو رأس السلطة التنفيذية فى المحافظة وممثلها، ويشرف على تنفيذ السياسة العامة للدولة وعلى مرافق الخدمات والإنتاج فى نطاق محافظته، وعلى المرافق القومية.
ومنطقى إذا تكررت حوادث على طريق مثل القوس الشمالى للطريق الدائرى الإقليمى، كان على المحافظ أن يجمع بلاغات الإسعاف اليومية، ويرسلها إلى وزير النقل.
كان عليه أن يلتفت إلى دماء المنايفة التى تبلغه بها غرفة الطوارئ، وأن يسمع لرؤساء مجالس المدن والوحدات المحلية الذين لفحتهم الشمس من كثرة معاينة حوادث «الإقليمي».
كان عليه أن يحرك النواب ويدعمهم لفتح هذا الملف، أو يعاين الطريق ويقف على أعمال الصيانة المستمرة منذ عام.
كان عليه أن يطلب صيانة تدريجية للطريق، بمعدل حارتين، حتى لا يحدث هذا التكدس على 50% من الطريق.
لكن هذا لم يحدث، رغم كم الحوادث التى طرأت على الطريق العام الماضى، وتحملها محاضر الباجور ومنوف وأشمون.
أما تحميل السائق وحده المسئولية، وقصر الحادث على «سائق تجاوز الحواجز الخرسانية» فهى مسئولية جنائية، ونحن هنا نتحدث عن المسئولية الإدارية والسياسية التى تسببت فى فاجعة.
لو طالعنا صور الحادث، لتبين أن قواعد السلامة غير مطبقة فى موقع الحادث، إذ لا توجد مصدات إسمنتية حاجزة عدا بلدورات صغيرة لا تصد سيارة ملاكى وليست سيارة نقل ثقيل.. والسبب أن الشركات «تتقشف» فى الإنفاق على قواعد السلامة.
كان على المحافظ أن يستعين بأهل الخبرة فى المنوفية، وهم كثيرون، ولا يبحثون عن «الترند»، وليته أسكت متحدثه الرسمى.
أخطر من ذلك، أن الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء وزير النقل، تجاهل شقين فى تصريحاته بعد الحادث، وكلاهما يخضع له.
أما الأول فهو عدم التزام الشركات المنقذة لصيانة الطريق الإقليمى بقواعد السلامة المرورية، خصوصًا أنها لا تضع مصدات خرسانية كبيرة توقف السائقين النائمين أو المتعاطين، لأنها ترشد الإنفاق.
والشق الثانى الحمولات الزائدة لسيارات النقل الثقيل، والتى تتسبب فى تدمير الطرق، بينما وزارة النقل تفرح بجمع غرامات «الميزان» من المخالفين.. وكأننا نسمح بالتدمير أولًا ثم نجمع أموالًا لإنفاقها على الإصلاح ليقال «إننا نطور الطرق».
لكن الوزير اكتفى أيضًا بتحميل السائق كامل المسئولية.. وكفى.
فى أوروبا والغرب عمومًا، ثمة ثقافة تعاطى المشروبات الكحولية، والمخدرات أيضًا.. لكن يتم تطبيق القانون بحزم على الجميع، والمساءلة والمحاسبة على أعلى مستوى، تحمى مجتمعاتهم من الفواجع.
أما نحن، فنكتفى بغسل أيدينا من كل جريمة.
ربما قد آن الأوان لمواجهة الحقيقة وتحمل كل مسئول مسئوليته الحقيقية.