رغم التماسك.. صندوق النقد يحذر من تصاعد التحديات أمام اقتصاد أوروبا
أكد صندوق النقد الدولي أن اقتصادات أوروبا لا تزال تظهر تماسكًا ملحوظًا رغم الأزمات المتلاحقة، مستندة إلى معدلات بطالة منخفضة، واقتراب التضخم من الأهداف المحددة، واستقرار القطاع المالي، إلا أن الصندوق حذّر من تصاعد جملة من التحديات التي تهدد هذا التماسك، أبرزها تصاعد التوترات الجيوسياسية، وزيادة الحمائية التجارية، والحاجة إلى تعزيز أمن الطاقة وسط ضغوط هيكلية تتعلق بتباطؤ الإنتاجية وشيخوخة السكان.
جاء ذلك في البيان الختامي لبعثة موظفي الصندوق لعام 2025 حول السياسات الاقتصادية المشتركة للدول الأوروبية، والذي أوضح أن هذه التحديات تؤثر سلبًا على الطلب المحلي والصادرات، وتحد من تأثير برامج الإنفاق الدفاعي ومشروعات البنية التحتية.
وأشار البيان إلى توقعات "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادرة في أبريل الماضي، والتي رجّحت نموًا متواضعًا لمنطقة اليورو بنسبة 0.8% في عام 2025، مع احتمال تحسنه إلى 1.2% في 2026. كما توقع الصندوق اقتراب معدل التضخم العام من 2% بفضل تراجع أسعار الطاقة والسلع، بينما يُنتظر أن ينخفض التضخم الأساسي إلى هذا المستوى بحلول 2026، لكن بوتيرة أبطأ.
ضغوط متزايدة على المدى المتوسط
رغم المؤشرات الإيجابية، تبقى الآفاق معرضة لمخاطر متباينة، فمن جهة قد يؤدي ضعف النشاط الاقتصادي وتباطؤ نمو الأجور إلى تباطؤ التضخم، ومن جهة أخرى قد تدفع الاضطرابات الجيوسياسية والإنفاق الحكومي إلى تسريع وتيرته مجددًا. وعلى المدى المتوسط، تُثقل القيود الهيكلية كشيخوخة السكان وضعف الإنتاجية ونقص المهارات على فرص النمو المستدام.
استراتيجية شاملة للنهوض الأوروبي
دعا الصندوق إلى تبني استراتيجية أوروبية متكاملة لمواجهة هذه التحديات، من خلال استكمال مشروع السوق الموحدة، وذلك عبر أربع أولويات أساسية:
توصيات مالية متباينة حسب أوضاع الدول
على صعيد السياسات المالية، شدد الصندوق على ضرورة التباين في النهج بين الدول ذات الدين المرتفع وتلك التي تملك مساحة مالية أكبر. ويوصي بتحقيق فائض أولي هيكلي بنسبة 1.4% من الناتج في منطقة اليورو بحلول 2030 – باستثناء ألمانيا – وهو ما يستدعي تقليصًا للعجز بنحو نقطتين مئويتين.
في الوقت ذاته، دعا الصندوق إلى استخدام محدود للبنود الاستثنائية في مراحل الإنفاق الدفاعي الأولى، وتطوير خطط مالية متوسطة الأجل لضمان استقرار الدين العام. كما طالب بإصلاح قواعد المالية الأوروبية لتمكين الدول من تمويل نموها دون الإضرار بالاستدامة.
الاستثمار المشترك وتعزيز الميزانية الأوروبية
اعتبر الصندوق أن الاستثمار المشترك والمنسق على مستوى الاتحاد هو السبيل الأمثل لمواجهة الأزمات الكبرى، مشيرًا إلى أن التنسيق في مشروعات الطاقة النظيفة وحدها يمكن أن يخفض التكاليف بنسبة 7%. وأوصى بزيادة ميزانية الاتحاد بنسبة لا تقل عن 50%، وتمويلها عبر أدوات اقتراض موسعة ومصادر تمويل ذاتية، على أن يُربط التمويل بالتقدم في تنفيذ الإصلاحات الوطنية.
سياسة نقدية حذرة ورقابة مصرفية أشد
أشاد الصندوق بمرونة السياسة النقدية الأوروبية، معتبرًا أن الإبقاء على سعر الفائدة عند 2% ملائم حاليًا، مع ضرورة الاستعداد للتعديل في حال ظهور صدمات اقتصادية جديدة. أما على صعيد الاستقرار المالي، فرغم صلابة النظام المصرفي الأوروبي، إلا أن المخاطر تتزايد في المؤسسات المالية غير المصرفية، ما يستوجب تشديد الرقابة وتوسيع أدوات السيولة لهذا القطاع.
واختتم الصندوق تقريره بالتأكيد على أهمية استكمال اتحاد البنوك، وتفعيل نظام مشترك لتأمين الودائع، وتعزيز صلاحيات الهيئات الرقابية، وتطبيق معايير "بازل 3" بالكامل، بما يعزز صلابة النظام المالي الأوروبي ويزيد من قدرته على مواجهة الصدمات المستقبلية.