رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

في مثل هذه الأيام من شهر أغسطس، تتجدد في قلبي نيران الأسى والحنين، لا على رحيل الرجال الثلاثة فحسب - سعد باشا زغلول، مصطفى باشا النحاس، وفؤاد باشا سراج الدين - بل على غياب “الزعامة” الحقيقية، كقيمة، وكعنوان، وكمنارة تهدي الطريق. 

رحل هؤلاء القادة، ولم يرحلوا كأشخاص فقط، بل كرموز حملت على أكتافها أثقال وطن بأكمله، ورسمت له طريق الاستقلال والكرامة الوطنية، لم يدفن زعماء سياسة فحسب، بل وريت معهم خريطة مصر الحرة، والنموذج الأصيل للقيادة الذي نفتقده منذ عقود.

لم يكونوا ملائكة، ولم تكن حقبتهم وردية، لكن الفارق الجوهري بينهم وبين ما نراه اليوم أن رؤيتهم كانت وطنية خالصة، لا تخضع لإملاءات خارجية ولا لمساومات داخلية.

كانوا يفكرون كمصريين، يتنفسون كمناضلين، ويتحدثون كحكماء، سعد باشا زغلول، الذي رحل في 23 أغسطس 1927، رحلت معه فكرة أن الزعيم يصنع شعبا قبل أن يصنع حزبا. 

مصطفى باشا النحاس، الذي ودعنا في 23 أغسطس 1965، رحل في زمن بدأت فيه القاهرة تنسى فن الحوار السياسي الشريف، وتتعلم بدلا منه صراع المصالح والشعارات الجوفاء. 

أما فؤاد باشا سراج الدين، الذي رحل في 9 أغسطس 2000، فقد غادرنا ومصر تدخل العصر الحديث بلا دليل ولا خريطة، تطارد التنمية كما يطارد السراب في صحراء بلا حدود.

السياسة في زمنهم لم تكن حرفة أو باب رزق، بل كانت تضحية وشهادة، كانت تعني أن يقف السياسي في وجه السلطة إذا انحرفت، وأن يرفض التبعية مهما كان الثمن. 

حزب الوفد لم يكن حزبا للمعارضة الشكلية، بل كان مؤسسة وطنية شكلت وعي الأمة، وأرست حدودها في القلوب قبل أن ترسم على الورق.

اقتصاديا، كانت معاركهم ضد الاحتلال معارك من أجل السيادة الحقيقية، واسترداد موارد الوطن من يد المستعمر، في زمن سعد باشا، كانت المطالب واضحة لا لبس فيها: لا اقتصاد تابع، لا امتيازات أجنبية، لا ثروات منهوبة. 

كانوا يدركون أن الاقتصاد ليس مجرد أرقام وتقارير، بل سلاح وكرامة، أما “الخبراء” اليوم، ففصلوا الاقتصاد عن الوطنية، ففقد المعنى والروح.

الوفديون لم يكونوا يتحدثون عن التنمية بمعناها السطحي أو النيوليبرالي الأجوف، بل عن نهضة وطنية منتجة ومستدامة، يملكها الفلاح والعامل، لا تدار من مكاتب بنوك أجنبية ولا من سفارات غربية. 

أما اجتماعيا، فقد فهموا أن المجتمع لا يبنى بالشعارات، بل بالعدالة الحقيقية: صوت للفقير، نصيب للفلاح، حلم للطالب، ومكان كريم للمرأة، لم يكونوا مثاليين، لكنهم أدركوا أن لا حرية في وطن مقهور، ولا نهضة في ظل جهل وفقر وظلم.

ومن مدرستهم العريقة، تعلمت أنا حب الوطن، واحترام ترابه، والإيمان بأن الانتماء لا يقاس بالكلمات، بل بالفعل الصادق، تعلمت أن الوطنية ليست شعارا يرفع، بل موقف يتخذ، ومسؤولية تحمل، وإرادة لا تنكسر، من زعامتهم تعلمت أن الدفاع عن مصر ليس خيارا، بل قدر، وأن حب هذا البلد يعلو على كل حساب شخصي أو حزبي.

واليوم، ونحن نختتم شهر أغسطس، لا نحيي ذكراهم فقط، بل نحيي في قلوبنا معنى الزعامة الوطنية التي تشعل الحماس، وتوجه البوصلة، وتنطق من ضمير الشعب لا من منبر السلطة. 

مات سعد، ومات النحاس، ومات سراج الدين، لكن الوفد لم يمت، والزعامات لم تدفن حقا، طالما أن مصر تبحث، وطالما أن شعبها يتنفس الحرية ولو بصعوبة، فإن النموذج سيعود، وستبعث الروح من جديد.

ولا يمكن في هذا السياق أن نتجاهل قيادة وطنية تدرك قيمة هذا الإرث العظيم، قيادة تسعى لتجديد الوفد من قلب تاريخه، لا على هوامشه. 

الدكتور عبدالسند يمامة، رئيس حزب الوفد الحالي، يمثل امتدادا وطنيا لهذا الإرث؛ رجل يؤمن بأن الزعامة مسؤولية لا لقب، وبأن الحزب العريق لا يقاد إلا بروح وطنية صادقة، وإيمان عميق بمصر.

إننا بحاجة اليوم إلى مراجعة حقيقية مع أنفسنا، نعيد فيها تعريف “الزعيم” لا كصورة على جدار، بل كفكرة في العقول، وشعور في القلوب، وأثر في الواقع، علينا أن نعود إلى جوهر المواطنة، حيث الولاء يقاس بالفعل لا بالشعار، وبما يقدم للوطن لا بما يقال فيه.

الوفد لم يكن مجرد محطة في التاريخ، بل كان ضميرا حيا، والزعماء الثلاثة لم يكونوا مجرد رجال، بل ملحمة مصرية خالصة من دم وتراب وكرامة، وإن كنا نبحث اليوم عن زعامة حقيقية، فعلينا أن نبدأ من حيث انتهوا هم، لا من حيث سقط الآخرون.

الزعامة لا تورث .. بل تصنع في نار الفداء، وتصقل في صمت المقابر، فهذا المقال ليس رثاء .. بل صرخة .. صرخة في وجه كل من ظن أن مصر تدار بشاشة، أو يختزل تاريخها في مؤتمر، صرخة تقول نحن أمة أنجبت زغلول والنحاس وسراج الدين… ولن نقبل بأقل منهم.