رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

في منطقة تتشابك فيها الجغرافيا بالعقيدة، وتتصادم فيها الشعارات مع الواقع، يغدو من الخطأ أن نقرأ التحالفات والعداوات الإقليمية بعين الخطاب وحده، دون أن ننظر إلى ما يجري تحت الطاولة من حسابات ومصالح. 

فالعلاقات بين أطراف تبدو متنافرة أيديولوجيا مثل الإخوان المسلمين، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإسرائيل، لا تفهم بالشعارات، بل بتفكيك الواقع، وتحليل التقاء المصالح رغم تناقض الشعارات.

فبين الإخوان وإيران خلاف مذهبي قديم، لكنه لم يمنع من وجود تفاهمات سياسية متقطعة، جمعتهم أحيانا في نقاط تقاطع براغماتية، من دعم طهران لحركة حماس باعتبارها امتدادا إخوانيا في فلسطين، إلى توافقهم المرحلي في معاداة الأنظمة العربية المستقرة، ظل الخلاف العقائدي قائما، لكن ظلت المصلحة المشتركة تحكم الميدان.

وفي العلاقة بين الإخوان وإسرائيل، نجد مفارقة أوضح، فبينما يرفع الإخوان راية العداء العلني لإسرائيل، إلا أن تجربة حكمهم القصيرة في مصر كشفت عن مواقف متذبذبة لا تمت بصلة للخطاب الثوري الذي طالما صدروه. 

فقد ظلت الاتفاقيات مع تل أبيب كما هي، ولم تتخذ أي خطوة تغير من طبيعة السياسة المصرية تجاه إسرائيل، وكأنهم آمنوا بالسلطة أكثر مما آمنوا بالمبادئ.

أما إيران وإسرائيل، فرغم شعارات “الموت لإسرائيل” التي تملأ المنابر في طهران، إلا أن الصدام ظل بالوكالة، لا بالمواجهة المباشرة. 

كلاهما يستخدم الآخر شماعة لتبرير مشروعه؛ فإيران تضخم “العدو الصهيوني” لتثبيت حضورها الإقليمي، وإسرائيل تضخم “التهديد الإيراني” لتحصين شرعيتها الغربية، وفي النهاية، يدور الاثنان في فلك لعبة المصالح ذاتها، وإن بديا كأعداء في العلن.

وهكذا، يظهر أن تقاطع المصالح قد يجمع الأضداد أكثر مما يفرقهم، وأن الشعارات الأيديولوجية كثيرا ما تستخدم كأدوات تعبئة، لا كمعايير قرار. 

فليس من المبالغة أن نقول إن الثلاثي: الإخوان، وإيران، وإسرائيل، وإن لم يجتمعوا يوما على طاولة واحدة، إلا أن بينهم خيوطا خفية تتقاطع عند المصالح، لا المبادئ.

لكن القضية لا تتوقف عند حدود السياسة الخارجية، بل تمتد إلى قلب الصراع الداخلي الذي عرفته الأمة، بين من يؤمن بالدولة الوطنية ومن يسعى لهدمها.
فلم تكن معركتنا يوما بين يمين ويسار، ولا بين علماني ومتدين، بل بين من يحب تراب الوطن، ومن يراه وسيلة لسلطة أو خلافة، وهنا، في صميم هذه المعركة، تقف جماعتان ظلتا الأخطر على مشروع الدولة الوطنية العربية: الإخوان المسلمون وحركة حماس.

منذ تأسيس جماعة الإخوان سنة 1928، لم تكن يوما مشروعا لخدمة الوطن، بل كانت تنظيما فوق وطني، هدفه الاستيلاء على الحكم وبناء دولة الخلافة. 

رفعوا رايات الدين وهم يخفون سكاكين الغدر، وتحدثوا باسم الشريعة وهم يغتالون القضاة والوزراء، ويبيحون الدم ما دام يخدم جماعتهم. 

اغتيال النقراشي، ومقتل الخازندار، ومحاولة قتل عبد الناصر، والتنظيم السري، ليست مجرد أحداث في كتب التاريخ، بل هي جروح مفتوحة في جسد هذا الوطن.

وفي فلسطين، كانت حماس الوجه الآخر للعملة نفسها، تأسست في لحظة فارقة من الانتفاضة الأولى، لكنها ما لبثت أن حولت بندقيتها من صدر الاحتلال إلى صدر الفلسطيني، بدل أن توحد الصف، مزقته، وبدل أن تبني المقاومة، صنعت سلطة حزبية ضيقة. 

وجاء انقلاب عام 2007 ليكشف كل شيء؛ اقتتال داخلي، دماء في الشوارع، وسقوط القيم تحت أقدام “المقاومة الإسلامية”، ومن يومها أصبحت غزة رهينة في قبضة التنظيم، تستخدم للمقايضة لا للتحرير.

وفي مصر، كانت الجريمة أفدح، فحين وصل الإخوان إلى الحكم عام 2012، لم يمارسوا السياسة، بل بدأوا تنفيذ خطة تفكيك الدولة من الداخل. 

عينوا الموالين في المناصب، هددوا القضاء، فتحوا الأبواب لحلفائهم في غزة، وتلاعبوا بأمن الحدود، حتى أصبحت الدولة على حافة الانهيار. 

وما جرى بعد ذلك من اقتحام السجون، وقتل الجنود، وإرهاب سيناء، لم يكن إلا ثمرة لتلك الخيانة المنظمة، كل الوثائق، وشهادات القادة، وتقارير المخابرات تؤكد أن ما حدث كان خيانة مكتملة الأركان شاركت فيها حماس والإخوان معا.

وحين سقط مشروعهم، لم يعترفوا بالخطأ، بل لبسوا ثوب المظلومية وصدروا للعالم حكاية “الشرعية المسروقة”، تماما كما ادعت حماس لاحقا أنها “حركة وطنية مستقلة”، لكن من تربى على خيانة الوطن لا يمكن أن يصبح وطنيا، ولو بدل ألف شعار.

اليوم، لا فرق بين الإخوان بالأمس وحماس اليوم، كلاهما يستخدم الدين مطية للسلطة، وكلاهما يتاجر بالدم والشعارات، بينما يعيش قادتهما في فنادق الخارج، يدفع الأبرياء في غزة ومصر ثمن أحلامهم المريضة بالحكم.

ولذلك، فإن الصمت على جرائم هؤلاء ليس حيادا، بل خيانة مضاعفة، خيانة للوطن، ولدماء الشهداء، ولذاكرة الشعوب التي دفعت ثمن طموح جماعات لا تعرف إلا لغة التمكين.
نحن لا ننسى ولن ننسى، لا خيانة وادي النطرون تمحى، ولا انقلاب غزة يغتفر، ولا تحالفاتهم مع الإرهاب تبرر، فهؤلاء لم يكونوا يوما دعاة دين، بل تجارا بشعاراته.

لقد تعلمت منذ نعومة أظافري، على مدرسة الوفد العريق، أن حب الوطن ليس شعارا، بل عقيدة، تعلمت أن تراب مصر أغلى من كل خلاف، وأن الكلمة الصادقة في حب الوطن هي أشرف أنواع الجهاد. 

في تلك المدرسة الوطنية، أدركت أن الانتماء لا يقاس باللحية ولا بالشعار، بل بالفعل، بالإخلاص، وبالقدرة على أن تضع الوطن فوق التنظيم، وفوق المصالح، وفوق كل شيء.

ولذلك أقولها بوضوح: إن الإخوان وحماس لن يغفر لهما، لا وطنيا ولا تاريخيا ولا أخلاقيا، فهما خنجران مسمومان في قلب الأمة، والوعي هو درعنا الأول، والذاكرة الوطنية سلاحنا الأخير. 

ولن نبني وطنا على دم الكذب، ولن نحميه بمن خانوه باسم الدين، لأن الوطن الحقيقي لا يعرف التنظيم، ولا يرفع إلا علما واحدا.. علم مصر.