رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

دوحة المقاصد

الإسلام ينظر إلى حياة الإنسان المستخلف عن الله فى الأرض  فيراها أغلى ما فى الوجود، وأجل ما يجب الحفاظ عليه   لذلك عظّم حرمتَها، وجعل زوال الدينا عند الله أهون من قتل نفس مؤمنة، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَزَوالُ الدُّنيا أهوَنُ عليِّ اللَّهِ مِن قَتلِ مسلمٍ« (السنن الكبرى للبيهقى)، بل جعل حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة المشرفة، فعن عبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ،.. « (سنن ابن ماجه)، وأهل السماء والأرض يُعَذّبون لو اجتمعوا على قتل إنسان: فعنِ ابنِ عباسٍ، أن قَتيلًا قُتِلَ عليِّ عَهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، لا يُدرَى مَن قَتلَه، فقالَ النَّبِى -صلى الله عليه وسلم-: «يُقتَلُ قَتيلٌ وأنا فيكُم لا يُدرَى مَن قَتَلَه؟ ! لَو أن أهلَ السَّماءِ وأهلَ الأرضِ اشتَرَكوا فى قَتلِ مُؤمِنٍ لَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ إلَّا ألَّا يَشاءَ ذَلِكَ « (السنن الكبرى للبيهقي وهدم البِنْية الإنسانية من أعظم المفاسد من أجل ذلك جعل حفظ النفس من الكليات الكبرى وضرورة من الضروريات العظمى لمقاصد الشريعة. وبتفويت النفس تفوت كل المقاصد، وقد شرع الإسلام القصاص للحفاظ على النفس البشرية من الاعتداء فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى} }البقرة : 178)، وقال ايضا: {وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاة يَاأُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}}البقرة : 179)، وقوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (الإسراء: 33)، ومقاصد القصاص تكمن فى حماية المجتمع من تفشى جرائم الثأر والانتقام من ناحية  وشفاء صدرِ المجنى عليه أو ورثته من ناحية أخرى.  وقد جعل الشارع الحكيم استيفاء الحدود والقصاص لولى الأمر، ولا يجوز لأحد حتى ولو كانوا أولياء الدم أن يقتصوا بأيديهم ثأرا لقتلاهم، وجعل هذا افتتات على ولى الأمر يستوجب العقاب.

وفى بعض المناطق فى بلادنا تنتشر ظاهرة الثأر والذى تُفنى فيه بيوت وعائلات عن بكرة أبيها نتيجة لحوادث الثأر التى يُعتدى فيها على الحرمات وتسفك فيها الدماء بغير حق، لذلك كان من واجب الوقت أن يقف العقل الجمعى ضد هذا السلوك وتنهض مؤسسات الدولة بالحد من هذه الظاهرة المدمرة، هناك جُهود تُبذل بلا شك من الدولة وأجهزتها الأمنية وقيادتها الدينية من خلال  لجان المصالحات من أجل وضع حد لسلسال الدم الثأر الذى يأكل الأخضر واليابس ويهلك الحرث والنسل وينشر الخوف والفزع، لذلك وجب وضع رؤية شاملة لمواجهة هذه الظاهرة أمنيا واجتماعيا بل وفكريا وثقافيا، ولذلك نقترح الآتي:

1- أن يتبنى الخطاب الدينى والخطاب الثقافى رؤية مشتركة لصناعة الوعى بخطورة هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تجوب القوافل الدينية والثقافية القرى والنجوع، وأن تخصص خطب الجمعة والندوات الدينية والملتقيات الثقافية للتحذير من خطورة هذه الظاهرة.

2- يجب أن تتضمن مناهج التعليم موضوع الثأر؛ فتحذر من  خطورته على حياة الأفراد  وأمن وسلامة المجتمع،  من أجل تغيير القناعات التى تعتبره رجولة وقوة ورفعة شأن وغسل عار...إلخ. 

3- يجب أن تتوجه الجهات المعنية الصانعة للوعى بعمل ندوات فى المدارس ومراكز الشباب وقصور الثقافة، وبل وتذهب إلى المقاهى والمنتديات المختلفة للتوعية بخطورة هذه الظاهرة.

 

4- يجب على المجلس القومى للمرأة خصوصًا وعلى كل مؤسسات المجتمع المدنى التى لديها  عمل ميدانى فى المناطق التى تنتشر فيها ظاهرة الثأر أن تقوم بتوعية النساء من خلال عناصر نسائية تنساب بين هذه القرى وتلك النجوع بخطورة الثأر.

 

4- يجب أن ينشغل الفن الهادف والبناء فى صناعة محتوى يغذى يقيم التسامح والعفو فى المجتمع، وأن تمنع الدولة تمجيد الأخذ بالثأر بعيدًا عن سلطة القانون من خلال الأعمال الدرامية، وأن تمنع الأفلام التى تُغذى العنف والجرائم فى المجتمع.

 

5-  نقترح أن تقوم الأجهزة الأمنية  بعمل قاعدة بيانات   للمناطق والقرى التى فيها حوادث الثأر وكذا بحصر العائلات التى بينها نزاع ثأرى، مما يسهل توجيه الجهود نحو هذه القرى وتلك العائلات بشكل مكثف، وأن تنطلق الجهات المعنية بخطوات استباقية لنمنع تفاقم الأحداث الانتقامية والإجرامية المتعلقة بقضايا الأخذ الثأر.

 

6- يجب التوسع فى إنشاء لجان المصالحات فى المحافظات تتضمن علماء من الأزهر الشريف ورجال الأمن والقضاء ورؤساء المجالس العرفية المشهود لهم بالحنكة والحكمة، بالإضافة لأصحاب المكانة المجتمعية فى هذه المناطق مثل زعماء الأشراف ووعلماء ورجال الدين المجمع على محبتهم.، لتعمل هذه اللجان على قاعدة البيانات التى توفرها الأجهزة الأمنية بخطة مدروسة للقضاء على ظاهرة الثأر.

 

7- يجب أن ينشغل الإعلام الدينى بهذه القضية وأن يجعلها فى سلم أولوياته، من خلال إذاعة القرآن الكريم وفتراتها المفتوحة، والقنوات الفضائية وتليفزيون الدولة وعمل برامج دينية تتحدث عن التسامح والتعايش والعدل والحق وغيرها من القيم.

 

8- يجب صناعة محتوى دعائى وحملات إعلانية لمواجهة هذه الظاهرة فى وسائل الإعلام التقليدية والرقمية.

 

وأخيرًا يجب أن ندرك أن هذه الظاهرة ترتبط بالجهل والفقر، وعليه فهناك أبعاد ثقافية واقتصادية يجب مراعاتها، ولذلك من المهم لمشروع كبير «كحياة كريمة» أن يجعل من القضايا المجتمعية الملحة كالأخذ بالثأر وحرمان البنات من التعليم والميراث.. فى أجندة أولوياته فيكون مع القوافل الطبية توعية بهذه القضايا، والتوسع فى إنشاء المراكز الثقافية والاجتماعية فى القرى والنجوع للنهوض بهذا الأمر بشكل دائم ومستمر وهذا جزء من صناعة التنمية المستدامة فى المجتمع.