منذ نعومة أظافري، وأنا أحمل في قلبي حب مصر، ذلك الحب الذي تعلمته من مدرسة الوفد، مدرسة لم تعلمني فقط السياسة أو تاريخ الوطن، بل علمتني أن الوطن هو الروح والهوية، وأن تراب مصر ليس مجرد تربة، بل هو كل ذكرياتنا ومآثرنا وثقافتنا.
ومن هنا بدأت رحلة إدراكي بأن التنوير والتعليم هما الركيزتان الأساسيتان لبناء دولة حديثة، دولة قادرة على مواجهة تحديات العصر دون أن تفقد هويتها أو تاريخها العريق.
لقد آمن الوفد منذ بداياته بأن التعليم ليس مجرد وسيلة للمعرفة، بل هو أداة لصناعة الإنسان والمواطن، ولتقوية الانتماء الوطني، والتعليم، كما رأيت في تجاربنا وممارساتنا، هو الطريق الأمثل لتمكين الأجيال من التفكير النقدي، وفهم العالم من حولهم، وفي الوقت نفسه الاعتزاز بالهوية المصرية، والانتماء إلى هذا الوطن العظيم الذي يحمل بين طياته آلاف السنين من الحضارة.
ومن هنا يظهر بوضوح الدور الثقافي لمصر في المنطقة والعالم، فمصر ليست مجرد بلد، بل هي مدرسة حضارية، منارة للعلم والفكر والفن، ورائدة في صناعة الثقافة والإبداع، وهي رسالة يجب أن يعيها كل مصري ويحملها في قلبه.
ولا يمكن الحديث عن مصر وهويتها دون أن نتوقف أمام تراثها العظيم وآثارها الخالدة، التي ليست مجرد حجارة قديمة، بل هي شهادة على عبقرية المصريين القدماء، وتاريخهم الممتد عبر آلاف السنين.
حماية هذا التراث والحفاظ على الآثار ليست رفاهية، بل واجب وطني، لأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من هويتنا وموروثنا الثقافي، كل حجر في معبد أو هرقل أو قلعة هو جزء من تاريخنا الذي يجب أن نقدره ونحميه، تماما كما علمتني مدرسة الوفد أن حب الوطن لا يقتصر على الكلمات، بل يتجسد في الأفعال والحرص على كل ما يخص مصر، من تعليم أطفالها إلى حماية آثارها وثقافتها.
وفي هذا السياق، لا يمكن أن نتجاهل حقوق الطفل، فمصر لا تبنى إلا من خلال أطفالها، فهم أمل المستقبل وسفراء النهضة القادمة، الحق في التعليم، والحق في اللعب، والحق في التعبير عن ذاته بحرية، هي حقوق أساسية يجب أن تحميها الدولة والمجتمع معا.
وقد تعلمت على يد زعماء وعظماء الوفد أن الاعتناء بالطفل ليس رفاهية، بل استثمار حقيقي في مستقبل مصر، وأن كل طفل يحصل على فرصته في التعلم والعيش الكريم هو حجر أساس في بناء وطن قوي ومتماسك.
كما أن للشعر الوطني مكانة خاصة في قلبي، فقد كان دائما وسيلة لإيقاظ المشاعر الوطنية، وربط الأجيال بمجد الماضي وبحاضر الوطن.
الشعر لم يكن مجرد كلمات جميلة، بل كان شعلة تهز القلوب، وتغذي الروح بالانتماء، وتذكرنا بأن مصر ليست مجرد مكان، بل فكرة ورسالة وحقبة تاريخية تستحق أن نحميها ونفخر بها.
وعبر هذا الدور الشعري، يأتي دور الإعلام والصحافة الحديثة، التي يجب أن تواصل نقل هذا الشعور الوطني، وأن تكون صوتا حقيقيا للوعي والثقافة، لا مجرد ناقل للأخبار، بل محفزا للإبداع والتمسك بالهوية الوطنية.
لقد تعلمت من مدرسة الوفد حب الوطن وحماية ترابه، وهذا ليس مجرد شعور عابر، بل فلسفة حياة، تعلمت أن الوطن يبدأ من كل فعل صغير، من احترام التاريخ، من الدفاع عن حق كل مواطن في الحياة والحرية والتعليم.
كما تعلمت من زعماء الوفد وعظمائه أن حب الوطن ليس مجرد كلمات ترددها الشفاه، بل هو التزام يومي، هو الفعل قبل القول، هو الدفاع عن مصر في كل موقف، هو الإيمان بأن مصر تستحق منا أن نضع كل طاقاتنا في خدمتها.
ومن هنا، كان الوفد وما زال رمزا للقيم الوطنية الحقيقية، مدرسة للحياة، ومثالا في التمسك بالمبادئ، وفي تعزيز الوعي بأن الوطن هو البداية والنهاية لكل ما نفكر فيه ونفعله.
وإذا نظرنا إلى مصر اليوم، فإننا نجد أن دور التعليم والتنوير والثقافة لم يضعف، بل هو أكثر أهمية من أي وقت مضى، فالمستقبل يحتاج إلى جيل واع ومثقف، يعرف تراثه ويقدر تاريخه، وفي الوقت نفسه يمتلك أدوات العصر الحديث، قادرا على الابتكار والتفكير النقدي والمشاركة الفاعلة في بناء الدولة الحديثة.
وهذا هو الإرث الذي تركه لنا الوفد، الإرث الذي يعلمنا أن مصر العظيمة تحتاج إلى كل جهد، وكل فكرة، وكل قلب ينبض بحبها ووفائها.
في النهاية، يمكنني القول إن تجربتي الشخصية، وتجربتي مع مدرسة الوفد، علمتني أن حب الوطن ليس شعورا سطحيا، بل هو منهج حياة.
تعليم الأطفال، حماية التراث، الحفاظ على الآثار، دعم الثقافة، تعزيز الشعور الوطني، كل ذلك متصل ببعضه، وكل فعل فيه يعكس مدى تعلقنا بمصر، وصدق التزامنا تجاهها.
وإذا كان لكل جيل دوره في التاريخ، فإن دوري كفرد متعلم وواعي هو أن أحمل هذه القيم، وأن أنقلها إلى من حولي، وأن أعمل كل يوم لأجعل مصر أكثر قوة، أكثر إشراقا، وأكثر اعتزازا بتاريخها وهويتها وثقافتها.