تتواصل المؤشرات الإيجابية الدالة على تحسن أوضاع الاقتصاد المصرى، فبخلاف تحسن عائدات السياحة، وزيادة الصادرات، وما نتج عن ذلك من تراجع واضح فى معدل البطالة، وهو ما ناقشناه فى الأسبوع الماضى، شهدت تحويلات المصريين بالخارج ارتفاعا واضحا.
فوفقا للمؤشرات الأحدث للبنك المركزى المصرى، زادت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال العام الممتد من مارس 2024 إلى أول مارس الماضى لتبلغ نحو 32.6 مليار دولار، بنسبة زيادة قدرعا نحو 72 فى المئة.
ووفقا لتوقعات حديثة، فإن قيمة العائدات خلال النصف الأول من العام الجارى تقدر بنحو 17 مليار دولار، بينما كانت فى النصف الأول من العام السابق نحو 9.4 مليار دولار.
ولا شك أن ذلك يدل على ثقة عالية وكبيرة للمصريين بالخارج فى أداء الاقتصاد المصرى، وهى رسالة مهمة تعكس نظرات الخارج للأوضاع الاقتصادية فى مصر. كما تؤكد فى الوقت ذاته، القدرات المتنامية للمصريين بالخارج الذين يعملون بجد واجتهاد ويشكلون جاليات متميزة علميا ومهنيا فى كثير من دول العالم.
ولا شك أن مصر لديها قوى بشرية عظيمة خارج حدودها يزيد قوامها وفقا لبيانات التعبئة والإحصاء على 11 مليون نسمة، يعيش أكثر من سبعة ملايين منهم فى السعودية والإمارات والكويت والأردن. كما يوجد نحو مليوني مصري فى الأمريكتين، ونحو المليون ونصف المليون فى أوروبا.
وهناك دراسات أخرى تشير إلى أن الرقم الحقيقى للمصريين بالخارج يتجاوز 14 مليون نسمة، إذ يوجد مهاجرون منذ عقود لم يتم حصرهم رسميا.
لكن على أى حال، فإن هؤلاء يشكلون قوة بشرية مؤثرة ومهمة وداعمة للاقتصاد المصرى، ومن الضرورى الاستفادة منها بشكل مثالى من خلال تجاوز التركيز على تحويلاتهم الدورية لعائلاتهم وذويهم، إلى إمكانية جذب هذه الاستثمارات فى مشروعات استثمارية متنوعة وجيدة العائد.
لقد كانت الأوعية الادخارية بالبنوك الدولارية منها، والمصدرة بالجنيه المصرى تشكل عنصر جذب لأموال المصريين بالخارج خلال العاملين الماضيين، مع الزيادات التى تم إقرارها على سعر الفائدة كإجراء ضرورى لمواجهة التضخم المرتفع. ولا شك أن خفض الفائدة مؤخرا على كثير من الأوعية الادخارية فى البنوك قد يؤدى إلى تراجع فى التحويلات خلال الفترة القادمة، لذا، فإنه من الضرورى إيجاد فرص استثمار بديلة جيدة ومناسبة لجذب فوائض الادخار لدى المصريين بالخارج.
من هنا، أجد أنه بات لازما تقديم حزم تحفيزية لتنشيط القطاع العقارى مرة أخرى بعد أن شهد انكماشا وتباطؤا لافتا، ذلك أنه أحد أكثر القطاعات القادرة على جذب المدخرات الخارجية.
نفس الأمر ممكن بالنسبة لقطاعى الصناعة والخدمات اللذين لديهما فرص نمو كبيرة خلال المرحلة القادمة.
كذلك ينبغى التأكيد على تيسير إجراءات التحويلات، وإزالة أى عوائق بيروقراطية تواجهها، والسعى لمد مظلة الشمول المالى لكافة المواطنين فى مصر.
فى الوقت ذاته، ينبغى طمأنة المصريين بالخارج أن دخولهم التى حققوها من خلال أعمال شاركوا فيها فى بلاد الغربة لا يمكن إخضاعها لأى ضرائب فى الوطن الأم.
إن المثل الشعبى القديم يقول «جحا أولى بلحم ثوره»، ومصر واقتصادها أولى بتحويلات أبنائها فى كل مكان.
وسلام على الأمة المصرية