رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

البناءُ المعرفيُّ للإنسان مهمّةٌ متكاملةٌ لبناء الإنسان فى جانبه الأخلاقيِّ، والقِيميِّ، والجسديِّ، والعقليِّ، والعلميِّ، والمعرفيّ، وهو أساسُ نجاحِه، وبدايةٌ لبناءِ الوطن، والإنسانُ فى أيِّ مجتمعٍ فى حاجة ماسَّةٍ إلى بناءٍ معرفيّ؛ كونُه أهمَّ مرتكزاتِ رسالة الإصلاح فى المجتمع، وضرورةً لخلق وعيٍ حقيقيٍّ مستنير، وركيزةً أساسيةً فى بناءِ وعيٍ عامٍّ سليمٍ بقضايا الوطن والمجتمع، بل خطوةً مهمّةً لصيانة المجتمع من كلِّ فكرٍ منحرفٍ أو سلوكٍ مدمِّرٍ، ولا بد أن يُحاط هذا البناءُ المعرفيُّ بسياجٍ من القيمِ الراسخةِ، والأخلاقِ النبيلة.

ويعتمدُ البناءُ المعرفيّ للإنسان على التطوير والتكوين المستمر للمعرفة لدى الإنسان؛ لبناء مجتمعٍ واعٍ، وتقديمِ ثقافة دينية ومعرفيةٍ عصريٍّة هادفة ومؤثرة، فبدونِ بناءٍ معرفيٍّ قويٍّ لا يمكن للإنسان أن يتطورَ، ويطوِّرَ مجتمعَه، وينجحَ فى حياته الشخصية والمهنية.

ويهدف البناءُ المعرفيُّ إلى إيجاد مواقفَ حياتيةٍ للإنسان، تتناسب معه؛ لإثراء عملية التثقيف، وبناءِ المعرفة لديه؛ فالتثقيف عمليةٌ رئيسةٌ فى البناء المعرفيِّ لدى الإنسان؛ تتأثر سلبًا أو إيجابًا بالبيئة، والمواقف الحياتية المتكررة، والتجاربِ التى يمرُّ بها الإنسان.

ولقد ظهر فى عالمنا عالمٌ آخرُ مُوازٍ، أكثرُ تأثيرًا من الأسرة، والمدرسةِ، والأصدقاء، ووسائل الإعلام التقليديّة، ولم يقِفِ الأمرُ عند هذا الحد؛ بل وصل إلى أنه يَفرض نفسَه على عملية التعليم والتثقيف، والبناءِ المعرفيّ؛ وهو «عالم السوشيال ميديا»؛ نظرًا لما يقدِّمُه من محتوى متجددٍ يوميًّا، مما يدفع الكثيرين إلى اللُّهاثِ وراء كلِّ جديد، دون إدراكٍ حقيقيٍّ لتأثيره، وهذا له تأثيره العميق فى تشكيل وعى الإنسان وتديُّنِهِ، سواء بالإيجاب أو السلب، بل إن عالم السوشيال ميديا يصنعُ عقولَ العالَم، وفيه الكثير من الضرر، لكنه حافلٌ أيضًا بكنوزٍ تُبرِز قِيَمًا، ومعانيَ إنسانيةً عجيبة، بل يمثلُ تحوُّلًا إيجابيًّا مؤثرًا إذا تم إحسان استخدامِه.

ويجب الانتباهُ إلى أن التعامل مع عالم السوشيال ميديا كالغَوص فى بحرٍ مضطرب، إذ يجب على الإنسان أن يكون مثلَ الغواص الماهر، الذى يتفادى المخاطر، ويستفيدُ من الفُرَص، وأن التوازن فى التعامل مع هذا العالَم ضروريّ، فلا ينبغى الانعزالُ عن عالم السوشيال ميديا تمامًا؛ لأن الانعزال التامَّ عن هذا العالم غيرُ ممكن، وكذلك لا ينبغى الذوبانُ فيه حتى يفقدَ الإنسانُ هُوِيَّتَه؛ لأن الذَّوَبان فيه دون وعيٍ خطرٌ شديد، بل ينبغى للإنسان تحويلُ السوشيال ميديا إلى أداةٍ للمعرفة والبناء، وليس وسيلةً للهدر والتشتيت، فالمستقبل سيكون لمن يمتلك الوعيَ والمعرفة، وليس لمن يستهلكُ المحتوى دون تفكير.

وهناك إشكاليةٌ معاصرةٌ تتمثلُ فى أن العالم حولنا يتّجهُ إلى مزيدٍ من التثقيف، والمعرفة السطحية، حيث أصبح الاعتمادُ على السوشيال ميديا مرجعيةً تثقيفيةً أساسية؛ مما يجعلُ الحوصلةَ المعرفية للإنسان تَضِيق، ولم يَعُدْ عند الإنسان صبرٌ على أن يسمع فكرةً مركبةً تمتدُّ وتُشرح على مدى ساعتين أو ثلاث، بل اعتاد أن تكون الجرعةُ التى يستوعبُها، ويكتفى بها، ويُغلِقُ بعدَها فى حدود مائة وأربعين حرفًا، أو أن يكون مقطعُ الفيديو فى حدود دقيقةٍ أو دقيقتين، بل لعلّهُ لا يَسمعُ المقطعَ، ويكتفى بأن يشاهدَ أو يطّلعَ على العنوان فقط، والعنوانُ قد يكونُ مضادًّا ومضلِّلًا، ومغايرًا للمحتوى الموجود، أو قد يكون نقيضَ المحتوى، بل قد تؤخذُ بعضُ العبارات من المقطع ويُعنْونُ لها بضد المحتوى المعروض؛ مما يترتب عليه تعليقاتٌ مأساويةٌ مأخوذةٌ من عنوان مضادٍّ لمحتوى مدّتُه دقيقة أو دقيقتان، أُخذَ من محتوى مدتُه ساعةٌ أو أكثر، ثم يكون الاشتباك فى التعليقات، دون الاستماعِ للمحتوى بسبب هذا العنوان المضاد.

هذه الصورةُ التى أشرنا إليها تؤدِّى بالتدريج إلى حالة من التسطيح المعرفيّ، وضِيقِ الحوصلةِ المعرفيّة التى تجعلُ الإنسانَ ليس لديه قابليةٌ للاستمرار فى تتبع وتأمل فكرةٍ مركبةٍ ودقيقةٍ تحتاج أن تُشرح على مدى زمنيٍّ طويل.

وشيوعُ هذا النمطِ من التعامل مع المعرفة، يؤدِّى بالإنسان إلى أنه يَضيقُ صدرُه، ويَضيقُ عقلُه عن أن يتأملَ قضايا تحتاجُ إلى وقتٍ، وجهدٍ، وعمقٍ، وشرح، وتحتاجُ لفكرٍ مركَّبٍ دقيق، وصراعٍ معرفيٍّ وعقليّ، إذًا.. فلا بد من التوقفِ تمامًا عند هذه الآثار المعرفيةِ المترتبةِ على هذا التناول.

هذه هى طريقة السوشيال ميديا، التى تتعاملُ بها مع أيِّ معلومةٍ أو معرفةٍ كانت، وهذا سيؤدى حتمًا إلى جعل الإنسانِ غيرَ قادرٍ على أن يشتبك مع قضايا من الوزن الثقيل، تحتاجُ إلى صبرٍ طويلٍ فى القراءةِ والتأمل.

وختامًا.. فإن قضية البناء المعرفيِّ للإنسان يجبُ أن تتضافرَ فيها جهودُ مؤسساتِ الدولةِ كافة؛ فهى قضيةٌ تشاركيةٌ للجميع، ومن أهم القضايا والتحدِّياتِ المعاصرة، بل إن بناءَ الإنسان هو الهدف الذى يسعى الجميعُ إليه، وأنه لا إنسانَ ولا إنسانيةَ بلا وعيٍ سليم.

وزير الأوقاف